كيف خذلت الولايات المتحدة المرأة الأفغانية؟

نشر في 18-08-2015
آخر تحديث 18-08-2015 | 00:01
لو نجحت عملية «الحرية الدائمة» لما كانت المرأة الأفغانية ستحرر فحسب، بل كانت ستنتقم أيضاً لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، مساهمة في الوقت عينه في تصحيح فصل داكن جداً من تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، وقيل أيضاً إن هذا سيساهم إلى حد كبير في الفوز بقلوب الناس وعقولهم حول العالم.
 أميركان كونسرفاتيف شملت أبرز الأسباب التي بررت التدخل في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة المأساة التي تعيشها المرأة في ظل حكم طالبان، فخلال الأسابيع الأولى من الحملة، قادت هيلاري كلينتون، ولورا بوش، وتشيري بلير حملة دعائية عالية الفعالية بغية إقناع الشعب بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تخوضان حرباً أخلاقية ترتكز في المقام الأول على حقوق الإنسان لا مجرد الترويج للمصالح الجيو-سياسية والأمنية؛ لذلك تتطلب هذه الحرب غزواً ضخماً على الأرض ومشروع بناء الدولة بهدف تحويل المجتمع الأفغاني، لا عملية محدودة ترمي إلى زعزعة طالبان والقاعدة والحد من نفوذهما.

وهكذا كانت تداعيات هذه الحرب الأخلاقية كبيرة جداً: فلو نجحت عملية "الحرية الدائمة" لما كانت المرأة الأفغانية ستحرر فحسب، بل كانت ستنتقم أيضاً لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، مساهمة في الوقت عينه في تصحيح فصل داكن جداً من تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، وقيل أيضاً إن هذا سيساهم إلى حد كبير في الفوز بقلوب الناس وعقولهم حول العالم.

من المؤسف أن هذه المهمة أخفقت، وتبدد الجزء الأكبر من الوعود التي أُطلقت في بداية هذا الصراع، وخصوصاً تلك المرتبطة بتمكين المرأة.

دروس لم نتعلمها

كان يُفترض أن يكون التعليم الهدف الأبرز في جهود الولايات المتحدة لتمكين المرأة الأفغانية، لكن التحقيق الأخير الذي نُشر على موقع Buzzfeed يُظهر أن 1 إلى 10من المدارس التي بُنيت قد دُمر، أو أقفل أبوابه، أو لم يُبنَ في المقام الأول، أما أعداد النساء اللواتي انخرطن في هذه المدارس، فقد ضخمها السياسيون الأفغانيون بنحو 40%.

من المؤسف أن جهوداً أقل بُذلت لمنح المرأة الأفغانية السبل الضرورية لتحقق طموحاتها:

المجتمع الأفغاني أبوي إلى أبعد الحدود، ونتيجة لذلك يقوم نجاح أي مشروع نسائي بالكامل على تبديل الرجال والصبية الأفغان مواقفهم وسلوكهم، لكن موارد قليلة خُصصت لهذا الهدف لأن معظم أموال المساعدات والتبرعات الأجنبية ذهبت إلى تعليم المرأة، لكن هذا خطأ كبير، لأن معظم مرتكبي أعمال العنف ضد المرأة الأفغانية، مثلاً، لا يكونون من طالبان أو المقاتلين الأجانب، بل من أفراد عائلاتها ومجتمعها.

علاوة على ذلك، المجتمع الأفغاني تقليدي إلى أبعد الحدود، وله تاريخ طويل من مقاومة الاستعمار؛ لذلك من الطبيعي أن تُرى أي محاولات لنشر المبادئ والممارسات الأجنبية وتطبيقها ضمن هذا الإطار، وأن تواجَه بالريبة أو العدائية الواضحة؛ لذلك لن تكون الإصلاحات مقبولة وقابلة للحياة إلا إن نبعت من القيم والمعتقدات وأطر المراجعة المحلية، ولا شك أن الإخفاق في أخذ هذه الوقائع في الاعتبار يُعتبر مسؤولاً عن جزء كبير من المقاومة الشعبية للمبادرات التي قادتها الولايات المتحدة، ومن المؤسف أيضاً أن جهوداً قليلة بُذلت لمعالجة هذه الهفوات أو حتى التعلم منها.

فرصة مهدورة

خُصص الجزء الأكبر من مساعدات إعادة البناء في أفغانستان لتطوير الجيش في البلد، ولكن رغم مئات مليارات الدولارات التي استُثمرت في هذه القوات على مدى عقد ونصف العقد، ما زالت تناضل حتى للحفاظ على الوضع القائم في مواجهتها مع طالبان. لم تُبذل جهود تُذكر بغية معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الكامنة التي تدفع عدداً كبيراً من الأفغان إلى دعم التمرد والمشاركة في العمليات السرية، كذلك بُدد المقدار الكبير من الموارد المخصصة للمشاريع غير العسكرية:

أُعطيت معظم مشاريع البنية التحتية في أفغانستان لمتعاقدين خاصين من دون أن يخضعوا لأي إشراف أو محاسبة. نتيجة لذلك أُنجزت هذه المهام عموماً بعد تخطيها الميزانية المخصصة لها بأشواط أو بعد تأخر كبير في المهل المحددة، فضلاً عن أن نوعية العمل المنجز متدنية جداً، من دون أن ننسى الكمية الكبيرة من المال التي لا يمكننا تحديد وجهة إنفاقها. على سبيل المثال أظهرت عملية تدقيق أخيرة أجرتها SIGAR أن من غير الممكن معرفة ما إذا كان ما لا يقل عن 47% من العيادات الطبية التي يُفترض أنها بُنيت في أفغانستان قد شُيّد حقاً (فكم بالأحرى ما إذا كانت لا تزال مفتوحة أو تعمل بشكل جيد؟). علاوة على ذلك بدأ الجزء الأكبر من البنية التحتية، التي شُيدت في مراحل الاحتلال الباكرة، يتداعى.

في كل هذه الجهود بدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مهتمة بتعزيز الاقتصاد الأميركي، لا تأسيس اقتصاد في أفغانستان، فقد كان أكثر من 80% من المتعاقدين الذين عملوا في المشاريع في أفغانستان أجانب استُقدموا من الخارج: أُعطيت الوظائف العالية الأجر لأميركيين، في حين ذهب الجزء الأكبر من الأعمال اليدوية إلى عمال هُرّبوا بطريقة غير مشروعة من الدول المجاورة ولم يتلقوا الرواتب التي يستحقونها (مما سمح للمتعاقد بجني أرباح أكبر). وبدل بناء قطاعات الزراعة والنسيج والصناعة في أفغانستان بغية تأمين المواد لهذه المبادرات استُقدم الجزء الأكبر من الموارد والإمدادات وحتى مساعدات الطعام من الولايات المتحدة أو شركات أميركية.

نتيجة لذلك لم تستطع أفغانستان تحويل جهود إعادة البناء هذه إلى اقتصاد نامٍ قابل للحياة، وذاتي الدعم بعيداً عن إنتاج الأفيون غير المشروع، وبدلاً من ذلك يكشف تقييم حديث نشرته وزارة الدفاع الأميركية أن السياسات والممارسات والاستثمارات الأميركية في أفغانستان عززت ثقافة الفساد، التي باتت تشكل اليوم خطراً وجودياً يهدد الدولة.

في هذا الإطار لا يبدو واضحاً ماذا يستطيع أن يفعل أي إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، بتعليمه، فبما أن البطالة ما زالت مستشرية، وأن معظم العمال يجنون أقل من دولار واحد في اليوم، يبدو من غير المسؤول وغير الفاعل البتة مضاعفة سوق العمل في البلد بتشجيع مشاركة المرأة بشكل مساوٍ، فبغية توسيع الاقتصاد أو جعله أكثر شمولية يجب أن ننطلق أولاً من اقتصاد فاعل، وهذا يجب أن يكون الهدف الأول على قائمة أولوياتنا.

بدون هدف أو غاية

تكون المرأة عادةً أكثر تأثراً وتضرراً بتدابير التقشف والحروب، ومن المؤسف أن المرأة الأفغانية ستواجه كلتا هاتين المشكلتين في المستقبل القريب لأن الولايات المتحدة لم تؤسس دول أفغانية مستقرة ومستقلة تتمتع باكتفاء ذاتي. على العكس، أنشأت دولة تابعة، فحتى هذا اليوم تأتي 65% من موازنة الحكومة الأفغانية من المساعدات الدولية لا من العائدات الضريبية، ويتأرجح البلد باستمرار على حافة الإفلاس، ونظراً إلى علاقة الاعتماد على واشنطن هذه قد تنهار بالكامل معظم المكاسب، التي بذلنا الكثير لنحققها طوال السنوات الأربع عشرة الماضية (مع أنها محدودة)، مع انسحاب الولايات المتحدة رغم تنامي الاستثمارات من الصين وروسيا.

أنفق دافعو الضرائب الأميركيون أكثر من 700 مليار دولار في أفغانستان، كذلك حصدت الحرب حياة أكثر من 150 ألفاً معظمهم من غير المحاربين، بالإضافة إلى ذلك وقع آلاف الجنود الأميركيين ضحية هذه الحملة، بمن فيهم شقيقي، ومن المريع أن نفكر في أن هذه التضحيات قد تذهب هباء، لكن هذا الواقع الذي نواجهه على ما يبدو. وكما أن المرأة الأفغانية كانت تتوقع أن تستفيد كثيراً من عملية الحرية الدائمة، كذلك ستكون المرأة الأفغانية أكثر المتضررين من إخفاقها.

تقدّر الأمم المتحدة أن الوفيات بين المدنيين في أفغانستان ارتفعت بنحو 1% في النصف الأول من عام 2015، مقارنة بالعام الماضي، لكن الوفيات بين النساء ازدادت بأكثر من 23%، ونظراً إلى مبررات الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لا تشكل هذه نكسة جيو-سياسية بل فضيحة أخلاقية مشينة.

موسى الغربي

back to top