يصعب في هذه الأيام البغدادية بشكل استثنائي، التمييز الدقيق بين الشائعات والمعلومات، لكن الأكثر وضوحاً هو استئناف جولات الحوار بين القوى الرئيسية في العراق، للرد على تهديدات متواصلة يطلقها حلفاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بقلب نظام الحكم أو التأثير على القضايا الكبرى في البلاد بشكل تعسفي يقلص مفهوم الدولة أو ما تبقى منه.

Ad

وتقول أطراف مقربة من زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم، إنه زار أربيل والسليمانية بضع ساعات وعاد مسرعاً إلى العاصمة بسبب الوفاة المفاجئة لأحمد الجلبي الزعيم الشيعي البارز، وكان الهدف المعلن هو التوسط لتهدئة الخلاف بين الأحزاب الكردية، إلا أن الموضوع الرئيسي هو مناقشة رغبة ملحة تتحدث عنها مرجعية النجف، بالتخلص من «الابتزاز المسلح» الذي يمارسه أتباع المالكي للحكومة.

ويقول أتباع المالكي، إن خصومهم «انبطاحيون» يتنازلون للأكراد والسنة، بينما يدعو أنصار رئيس الحكومة السابق إلى تدعيم «خط الممانعة» ورفض الحوار السياسي وتعزيز العمل العسكري والتحالف مع روسيا وإيران وقطع العلاقات مع أنقرة والرياض، إلى آخره من المواقف المعروفة لهذا الاتجاه.

وخلال الأشهر القليلة الماضية حاول أتباع المالكي، وهم تحالف من التجار وزعماء الفصائل المسلحة ونحو 30 نائباً مؤكد الولاء في البرلمان، إطاحة حكومة العبادي بأشكال مختلفة، في حركة تهدف إلى عودة المالكي للسلطة التي فقدها صيف 2014، وهو ما يفترض أن يتم بدعم الجنرال قاسم سليماني مسؤول الحرس الثوري الإيراني المكلف ملفَ العراق، ثم يكون الثمن إطاحة وزراء القوى الشيعية التقليدية والمجيء بوزراء يمثلون فصائل مغمورة موالية لإيران.

وواجه المخطط المكشوف هذا معارضة شديدة خصوصاً من المرجع الديني الأعلى علي السيستاني الذي يدافع عن استقلالية حوزة النجف العلمية، ويعتقد أن خروج النفوذ الإيراني عن السيطرة في العراق سيقيد استقلالية المؤسسة الدينية في النجف، كما سيورط الشيعة العرب بمزيد من الحروب.

المصادر تؤكد حالياً أن السيستاني طلب أن يتحرك «الاتجاه المعتدل» نحو ذلك الهدف، ما سيفسح المجال لعودة الحوار الداخلي المتوقف منذ شهور. حتى أن رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي ينخرط حسب المصادر، في إنتاج كتلة نيابية «عابرة للطوائف» هدفها «محاصرة كتلة المالكي وإخراجه من الحياة السياسية، لأنه أصبح يشكل خطراً انقلابياً جاداً جداً».

ومن أكثر ما يتردد في المجالس السياسية هذه الأيام، هو أن تحالف المعتدلين الشيعة أبلغ إيران أنه «لو أردتم أبو إسراء (المالكي) فيمكنكم أخذه إلى طهران»!

وإذ ينسق الحكيم مع الأكراد والقوى السنية، فإن علاوي يصمم رسائل إلى المحيط الإقليمي لبحث «فصل جديد» في المرحلة المقبلة قد يشهده العراق، بينما كان أحمد الجلبي مسؤولاً عن بناء خطة سياسية واقتصادية للتعامل مع كل ردود الفعل الممكنة خلال أزمة مالية قاسية تضرب العراق.

ولذلك فإن رحيل الجلبي مثّل ضربة قوية للمشروع، بينما يتردد اسم برهم صالح إلى جانب مسعود البرزاني وأياد علاوي، كجزء من فريق سياسي قوي لا بد أن يتقبله حيدر العبادي ليخرج من نطاق تأثير حزب الدعوة، ويسهل إطلاق تفاوض إيراني- عراقي، بشأن الميليشيات المسلحة التي تهدد سيادة الدولة في قلب بغداد.

ويقول خبراء إن زوال خطر «داعش» نسبياً عن بغداد، ودخول الأميركان على خط الملف السني، وتضخم نفوذ ميليشيات سليماني بحيث يهدد النظام السياسي برمته، شجع الشيعة على معاودة تحريك القضايا السياسية التي جمدت خلال الفترة الماضية تحت ضغط الانهيار العسكري، ويشيرون إلى أن المشروع لا يزال في مرحلة الاختبار لكن أمامه فرصة ليندفع أكثر، إذ إن «خطوطاً إيرانية» تنتظر خطة واضحة للتكيف مع ما يريده السيستاني وحلفاؤه، وللتعايش مع موقف عراقي جديد داخل أزمة الشرق الأوسط.

المالكي لسحب التفويض من العبادي... والسيستاني يحذِّر