أيام أمضيتها بين موسكو وسان بطرسبرغ قبل عامين وسط أجواء شبيهة بالحرب الباردة، وذلك عبر زيارة سياحية تابعنا من خلالها الألعاب الأولمبية والمنافسة الرياضية للفرق العالمية وسط تعليق البعض على المنافسة الروسية والأميركية لنيل الميداليات الذهبية بأنها كالحرب الرياضية الباردة، ولم تستطع الأيام الروسية في موسكو الباردة إلا أن تعيد إلى ذاكرتي المحطات التي مرت بها روسيا أو الاتحاد السوفياتي السابق في علاقته بالكويت، أو بالأحرى بمنطقة الخليج، وتأتي زيارة صاحب السمو، حفظه الله، لروسيا لتعزز المراحل والمحطات التاريخية الخليجية الروسية.
فمنذ عام 1900، أدركنا، كخليجيين، أن مياهنا الدافئة جاذبة للدول الأجنبية ببواخرها الضخمة وأعلامها الملونة، وقادة السفن والبحارة وغيرهم من الباحثين عن الفرص الاقتصادية والاتفاقيات الاستراتيجية بأنماطها، ومن تلك البواخر كانت الروسية واليابانية تمخر عباب المحيط الهندي والخليج العربي بشكل منافس أثار اهتمام أهل الخليج آنذاك وسط الزيارات البريطانية المتكررة.واستمرت منطقتنا مثيرة لاهتمام الدول الكبرى، حتى جاءت فترة الستينيات واستقلت الكويت وبدأت برسم سياستها الخارجية مرتكزة على المستويات الثلاثة، أولها الشخصي الذي ارتكز على جهود سمو الأمير عندما كان وزيراً للخارجية في المرحلة الأولى من رسم الاستراتيجية الدبلوماسية للسنوات الأولى للاستقلال، ثانياً المستوى الإقليمي الذي تحقق عبر عضوية الكويت في منظومة جامعة الدول العربية، يتبعه ثالثاً المستوى الدولي، وذلك عبر انضمام الكويت إلى الأمم المتحدة آنذاك، الأمر الذي وضع الاتحاد السوفياتي كعضو دائم بمجلس الأمن في موقع التردد أمام عضوية الكويت، ثم الموافقة أخيراً عام 1963، لتدرك الكويت بعدها أهمية الحفاظ على علاقتها بالأعضاء الدائمين لمجلس الأمن بشكل عام، وبعلاقة متزنة وحذرة مع منطقة الشرق.وفي السبعينيات استمرت الكويت في علاقتها بروسيا اقتصادياً وسط تردد بعض الدول الخليجية بشأن الارتباط بالمعسكر الشرقي، الأمر الذي أظهر مهارة الدبلوماسية الكويتية في استقلالها في اتخاذ القرار وحفظها للتوازن الدبلوماسي بمنطقة الخليج.وفي الثمانينيات فاجأت مارغريت تاتشر الأوساط الدولية عندما تحدثت عن نهاية الحرب الباردة وسط رفض بعض أساتذة السياسة لتلك الفكرة، ولكن غورباتشوف كان قد بدأ فعلا بالتحولات الاقتصادية والإدارية محدثاً زوبعة بعلاقة الشرق بالغرب، وتحولت إلى «ربيع» أوراسي (أوروبي آسيوي) أنهى الكتلة الشرقية وأطلق العنان للدول الواقعة تحت قبضة السوفيات للتحرر والاتجاه نحو الديمقراطية والاقتصاد الحر، وكان اتجاهاً ناعماً أحياناً ومثيراً للأقليات العرقية في أحيان أخرى كما سنرى في مقالات قادمة.وأصبح بعدها عام 1990 حاسماً لانهيار الاتحاد السوفياتي والستار الحديدي، إذ استمر غورباتشوف بسياسة دمج الرأسمالية بالنظام الاقتصادي وأدرك حجم روسيا الجديد وسط التغيرات الدولية، وساند حرب تحرير الكويت بموافقته عليها في مجلس الأمن، وثمنت له الكويت هذا الدعم بعلاقتها الاقتصادية واعترافها بروسيا بديلاً أو وريثاً للاتحاد السوفياتي.واليوم يزور صاحب السمو، حفظه الله، روسيا للمرة الأولى أميراً، والثانية قائداً للدبلوماسية الاقتصادية باتجاه الشرق، والثالثة حكيماً في العلاقات الدولية.كلمة أخيرة...أذكر من سفرائنا في موسكو العم فيصل الصالح المطوع والأخ عبدالمحسن الدعيج، وأول سفير هو سعيد شماس، وهم مدرسة للسفراء الجدد، وبالطبع السفير الحالي عبدالعزيز العدواني، وحرمه، ذلك الثنائي الشاب الجميل الذي أشاع الأجواء الدافئة أثناء زيارتنا وسط الأجواء الروسية الباردة.وكلمة أخرى...قناة كويتية جديدة تمتلك الميزة التنافسية الثقافية والعلمية بدأت بهدوء شديد ولساعات محدودة ودون صخب في استقطاب الشباب ذوي المهارات الإعلامية والأكاديميين وأهل العلم والمعرفة... تلك هي قناة «العربي» التابعة لتلفزيون الكويت.
مقالات
روسيا ومياه الخليج الدافئة
11-11-2015