حينما فاز "أورهان باموك-Orhan Pamuk" المولود في مدينة إسطنبول عام 1952، بجائزة نوبل للآداب عام 2006، كان ذلك متوقعاً ضمن دائرة القراء الأتراك، ودائرة أخرى من المهتمين بآداب العالم الثالث، وتحديداً الآداب ذات الصبغة الإنسانية، والتي تقدم إبداعها معجوناً بجراءة قول الحقيقة حتى لو كانت معارضة ومؤذية لتوجهات المجتمع.

Ad

أورهان باموك، صاحب رواية "اسمي أحمر"، الذي تُرجمت أعماله إلى أكثر من 34 لغة، وفي تصريح جريء لمجلة سويسرية، قال: "مليون أرمني و30 ألف كُردي قُتلوا على هذه الأرض، لكن لا أحد غيري يجرؤ على قول ذلك". ولقد كان هذا القول، إلى جانب تجاوزه على مؤسس تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك"، كافياً لملاحقته وتهديده، حتى اضطر عام 2007 إلى الهرب من تركيا نهائياً والاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية.

أورهان باموك، بدأ حياته بدراسة العمارة والصحافة، قبل أن ينخرط في دراسة الأدب ومن ثم يمتهن الكتابة الروائية. لكن، كل من يقرأ كتاب أورهان "الروائي الساذج والحساس" ترجمة ميادة خليل، الصادر عن دار الجمل 2015، يدرك تماماً أن المدرسة الحقيقية التي تخرّج منها باموك، وأهّلته لأن يصل لكل ما وصل إليه، لم تكن لتختلف عن المدرسة التي أهّلت وخرّجت جميع عظماء العالم، ألا وهي مدرسة القراءة.

أورهان، يردد في أكثر من موقع أنه خلال فترة العشرينيات من عمره، قضى سنواته قارئاً نهماً للأعمال الروائية العظيمة، وأنه لم يكن يقرأ ذلك من باب التسلية، ولكن من باب الدرس ومن باب التعلّم، ومعرفة الحياة. "في شبابي كنت ألتهم الرواية بعد الأخرى، شعرت بإحساس مثير من الحرية والثقة بالنفس". (ص53) ويبدو واضحاً لمن يقرأ الكتاب الثقافة الموسوعية التي يركن إليها باموك، إلى جانب فكر منظّم، قادر على استخلاص المعلومة ووضعها في سياقها التاريخي، وفي دائرة إبداع عالمية، منذ كتابات اليونان حتى الكتابات الروائية المعاصرة.

"هذا الكتاب هو كلٌّ متكامل يضم معظم الأشياء المهمة التي عرفتها وتعلمتها عن الرواية". (ص146) الكتاب يضم محاضرات تشارلز إليوت نورتون التي قدمها باموك في جامعة هارفرد 2009. وببساطة وعمق كبيرين يقدم أورهان خلاصة فهمه لعالم الرواية، وكيفية بنائها، موضحاً أهم ما يجب أن يتسلح به الروائي لمواجهة نفسه والعالم عبر فن الروية.

إن المقولة الأساسية والمهمة التي يقدمها الكتاب على لسان أورهان تتلخص في قوله: "في جوهر حرفة كتابة الرواية يكمن تفاؤل أساسه أن: المعرفة التي نجمعها من تجاربنا اليومية، إذا ما أعطيت شكلاً مناسباً، يمكن أن تصبح معرفة قيّمة عن الواقع". (ص26) وبهذا يلخص باموك إجابته الوافية عن السبب وراء لهفة إنسان القرن العشرين والواحد والعشرين على الرواية، فالرواية المبدعة يمكن أن تقدم للإنسان معرفة حقيقية عن الواقع الذي يعيش فيه، أياً كان الكاتب وأياً كان موضوع تلك الرواية. فالكاتب المبدع هو ذاك الذي يحوّل معايشته لتجارب حياته الخاصة لتكون تجارب عامة، يشعر القارئ بأنها تخصّه بالقدر ذاته التي تخصّ به صاحبها. نعم، نحن القرّاء أسرى الرواية لأنها تشعرنا بأننا نواجه في كل سطر تجارب حياتنا، وهي بهذا تزيدنا معرفة بذواتنا وبالعالم من حولنا.

الكتاب وبقدر ما يركز على العناصر الرئيسية في بناء الرواية، فإنه من جانب آخر يركز على آلية فهم الرواية لدى القارئ: "التحدي والفرح العميق الذي تقدمه الرواية لا يأتي من الاستدلال على شخصية البطل من خلال سلوكه، ولكن من خلال اندماجنا معه، ضمن جزء من عقلنا على الأقل، وبهذه الطريقة، ولو بصورة مؤقتة، نتحرر من أنفسنا، لنكون شخصاً آخر، ولمرة واحدة نرى العالم من خلال عينيّ شخص آخر". (ص66)

"الروائي الساذج والحساس" عمل مبدع لكاتب موسوعي المعرفة بالإنسان والحياة.