الحاشية كلمة سيئة السمعة في مجتمعاتنا، إذ ارتبطت بالمسؤولين الذين تتجمع حولهم مجموعة من المنتفعين الذين يشكلون مراكز قوة ويمسكون مفاتيح الحل والربط، فيصبحون أهل ثقة ويتحكمون بكل الأمور، فيصبح المسؤول، وزيراً كان أو وكيلاً أو مديراً، لا يخطو خطوة دون توجيهات هذه الحاشية، ولا يتخذ قراراً دون الرجوع إليها، ربما لأنها أكثر دراية ببواطن الأمور أو لأنه يخاف غضبها، أو التغريد خارج سربها فتنقلب عليه.  وفي الكويت تعاني بعض وزاراتنا ومؤسساتنا من تلك الحاشيات، ولا يمكن لأي منصف إنكار أن لدى غالبية الوزراء والوكلاء طواقم من "لحمهم ودمهم" من أبنائهم وإخوانهم وأبناء عمومتهم، إذ يتولى هؤلاء إدارة الوزارة، ولعلنا نتذكر الوزيرة التي كانت تدعي محاربة الفساد بينما عينت أقاربها بمكتبها وفي وظائف أخرى بالوزارات، في تناقض فاضح، الأمر الذي أثار استهجان الرأي العام وانتهى بالإطاحة بها، وإن كانت هناك حالات مشابهة في وزارات أخرى لايزال مسكوتاً عنها.

Ad

للحاشية شكلان، الأول أن يأتي الوزير عندما يتقلد منصبه بالأهل والخاصّة ويسّكنهم في وظائف مرموقة ليكونوا عزوته في الدعاية له والترويج لإنجازاته التي تكون، في أحيان كثيرة، وهمية، بل قد يستخدمهم كجواسيس يرفعون إليه التقارير عمن يؤيدونه فيزكونهم ويرفعون من شأنهم، ومن يعارضونه فيحاربونهم ويتخلصون منهم أو يهمشونهم.  وهناك شكل آخر للحاشية داخل الوزارات، وهي أن البعض، وخصوصاً الوكلاء، يبقون سنوات طويلة في مناصبهم ويحلمون بالجلوس على كرسي الوزارة، فيشكلون لوبيات ومراكز قوة ويسيطرون على مفاتيح الوزارة، فيصبحون أقوى من أي وزير يأتي ويقفون حجر عثرة أمامه، فإن لم يستطيعوا منعه من إصدار قرارات ليست على هواهم يشوهوه، ولدينا أكثر من نموذج فشل فيه وزراء إصلاحيون في تطبيق أفكارهم وفرض رؤيتهم بسبب الحاشية التي تسيطر على الوزارة من الوكلاء وأتباعهم، دون ترك فرصة للتطوير والتغيير لأنها تدرك تماماً أنها ستخسر مقاعدها.  والحاشية داخل الوزارات تشكل شبكة من المحابين والسماسرة، وتتفنن في قلب الحقائق وإلباس المخالفات ثوب الحقائق عبر مستندات مصوغة بحرفية وقانونية، كما أن هذه الحاشية عندما تقدم النصح والمشورة تقدمهما بالطرح الضيق الذي يصبّ في مصلحة من سيحافظ على كراسيهم، لذلك نرى كثيراً من الوزارات تدخل في أزمة تتلوها أخرى من دون الخروج بنتائج إيجابية أو الاستفادة من الأخطاء.  وفي كلتا الحالتين، فإن الحاشية، سواء كانت مع الوزير أو ضده، فإنها تشكل مصدراً للفساد وعائقاً أمام الإصلاح، وتجعل الوزارة ضائعة بين أيدي المنتفعين وتصبح المصلحة الخاصة أهم من مصلحة الوطن، وهذا الداء مصدر لكثير من الأمراض، إذ يعرقل جهود التنمية التي يجب أن تعتمد على المخلصين من أصحاب الكفاءات والخبرات والرؤى، وليس أهل الثقة... والله ثم الوطن من وراء القصد.