في آخر جمعة تظاهرات شهدتها بغداد خصوصاً، قال الناشطون المدنيون والعلمانيون إن الميليشيات الموالية لطهران "استولت" على معظم الزوايا المهمة في "ساحة التحرير" وسط العاصمة العراقية، وحرمت المنظمين الأصليين للاحتجاج، من الإمساك بزمام المبادرة في توجيه الشعارات.
وعدا الزوايا المهمة التي صارت بيد العناصر المتشددة المتهمة بأنها تحاول "سرقة الاحتجاج المدني"، فإن الحركات المسلحة جاءت بتجهيزات مترفة مثل مكبرات صوت عملاقة تغطي على شعارات منافسيها العلمانيين، وحجز لشاشات الإعلام الضخمة التي تطل على "ساحة التحرير"، وتخصيصها بالكامل لخطابات زعماء الميليشيات.ولذلك يتوجس كثيرون من أن يتعاظم هذا "الاستيلاء" ليصادر الاحتجاج بالكامل. وبينما يحاول المرجع الديني الأعلى في النجف حماية مطالب المحتجين بالضغط على الحكومة لتنفيذ إصلاحات، فإنه يحاول أيضاً حماية الحكومة وضبط الانفعالات في الشارع، في وقت تتحرك الجماعات المسلحة الموالية لطهران في اتجاه معاكس، وهو تأجيج الغضب ومحاولة التقليل من شأن رئيس الوزراء حيدر العبادي، في صراع بات واضحاً بين محور "العقلانية النجفية" و"التشدد الإيراني"، متمثلاً بطهران ونفوذ جنرال "الحرس الثوري" قاسم سليماني.ومجمل هذا المناخ دفع مقتدى الصدر، زعيم التيار الأكثر قدرة على الحشد في الشارع، إلى دعوة أنصاره إلى النزول إلى "ساحة التحرير"، التي صارت بمنزلة الحلبة التي تتصادم فيها الإرادات الشيعية، بين الطبقة السياسية التقليدية، وطبقة المقاتلين المغمورين الذين يحرص سليماني على زجهم في السياسة لتغيير جزء من الخريطة السياسية لمصلحة طهران.ويقول الصدريون إن التظاهرات ستتعرض إلى السرقة، مؤكدين أنهم سينزلون إلى الشارع لحمايتها، ولن يرفعوا أي شعارات أو صور تخص رموز تيارهم بل سيتصرفون كـ"مدنيين".وعلاوة على ذلك، كتب مقربون من الصدر مجموعة مطالب يبدو أن زعيمهم نفسه طلب إشاعتها، وكانت كلها مطالب من شأنها تقوية العبادي والتناغم مع الحركة المدنية. وفي خطوة متقدمة تعكس مدى شعور الصدر بالمأزق الحالي، وضع التيار وزراءه الخمسة ونحو 50 مسؤولاً تنفيذياً بارزاً لديه، تحت تصرف العبادي، داعياً إلى خرق نظام المحاصصة وإجراء تعديل في المواقع لمصلحة الكفاءة والنزاهة.لكن الأمر لم يرق إلى اتجاه واسع بين العلمانيين، إذ راحوا يتساءلون: "هل أصبحنا حقاً بين أن تتعرض احتجاجاتنا للسرقة على يد سليماني، أو يأتي الصدر ويقوم بسرقتها أيضاً؟".لكن أتباع الصدر يدعون إلى التعمق في الاعتبارات السياسية هذه، قائلين إن الحالة تستدعي مقاربة دقيقة جداً لنوايا طهران، فقد سبق لسليماني أن قام باستغلال فتوى السيستاني الدينية حول التطوع للجهاد، وصنع منها ميليشيات موالية لطهران. وماذا يمنع الجنرال الآن من استغلال "فتوى الإصلاحات" لمصلحة تحسين النفوذ الإيراني؟ أي أن في وسع سليماني القول: "نعم لنقم بالإصلاحات. لكنها ستكون إصلاحات إيرانية، وتغييرات في المناصب العليا حسب هوى طهران، وتغييرات مماثلة في القوانين!".وهكذا فإن الخوف من "تزوير إرادة الإصلاح" يعكس تقاطع الرغبات والمصالح الذي بلغ حداً من الخطورة داخل البيت الشيعي، يفتح البلاد على أسوأ الاحتمالات.ورغم أن إيران لا تريد الاصطدام بقوة مع إرادة السيستاني، لكنها لا تمانع من الضغط عليه وإحراجه، وجعله يقدم اعترافاً جزئياً بالميليشيات القريبة من طهران، وهذا ما يدركه أمثال الصدر ويحاولون منع حصوله، ويرتبكون خلال ذلك أحياناً.
أخبار الأولى
طهران تسعى إلى اختراق الإصلاحات العراقية
28-08-2015