نعى المجلس الأعلى للثقافة في مصر الأديب الكبير جمال الغيطاني الذي وافته المنية صباح أمس بمستشفى الجلاء العسكري بعد صراع طويل مع المرض.

Ad

وجاء في بيان أصدره المجلس أن «الغيطاني أثرى المكتبة العربية برواياته التي ترجمت إلى اللغات العالمية، وأثبتت تفرده الإبداعي وريادة مصر الثقافية، كما كتب الكثير عن رحلاته وعن القاهرة وعن البشرية جمعاء، وعن رؤاه العميقة، إنه ذاكرة مصر التي نقل كنوزها الثقافية إلى العالم من خلال أدبه ومحاضراته العميقة».

خسارة فادحة

كما نعى رئيس اتحاد الكتاب العرب، الكاتب محمد سلماوي، صديقه الراحل الغيطاني، ونشر صورة له بصحبة الراحل عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وعلق عليها قائلا: «رحم الله الكاتب الكبير جمال الغيطاني الذي يمثل رحيله خسارة فادحة للأدب الروائي، والكتابة الصحافية، وللثقافة العربية بشكل عام».

وزير الثقافة المصري الكاتب الصحافي، حلمي النمنم، نعى الأديب الراحل، قائلا إن وفاته خسارة كبيرة كأديب ومفكر وصحافي أثرى الحياة الثقافية بأعماله، وكان صاحب عدة ألقاب كان يراها محببة إلى قلبه فهو الصحافي والمراسل الحربي والروائي الحكاء الذي روى عشاقه من حكايات التاريخ.

وأضاف أن أدب الغيطاني لمس وجدان القراء، وتجسيده على الشاشات من خلال عدد من الأفلام والأعمال الدرامية ساهم بشكل كبير في زيادة وعي الجمهور، مشيرا إلى أن روايات الغيطاني أبحرت في التاريخ ورصدت دهاليزه وأبعاد ما وراء الوقائع والأحداث، فأصبح فهم وقراءة التاريخ من خلال أعماله الأدبية سهلا يسيرا على عامة الناس، ومازالت حكايات الزيني بركات وحكايات الغريب وغيرها من أعماله حية بين العامة والخاصة من أهل الفن والثقافة.

وتابع وزير الثقافة قائلا: إن وطنية الغيطاني تجلت في أعماله ومواقفه، فهو المقاتل الصحافي على الجبهة، والمحرر العسكري الذي رصد لنا لحظة بلحظة وقائع النصر، ففضل أن يغير مجال عمله في فترة مهمة من حياته ليصبح مراسلا حربيا لأخبار اليوم على جبهة القتال يرصد انتصارات أكتوبر.

مواقف خالدة

وأشار النمنم إلى أن «سيرة الغيطاني الذاتية وتاريخه نموذج تعلمنا منه، وحياته الحافلة بالمواقف الوطنية والأعمال الأدبية سجل حافل وقدوة يتعلم منها الأجيال كيف يكون حب الوطن وإعلاء قيم العمل والانتماء».

واختتم بأن الغيطاني الصحافي رغم ما تقلده من مناصب حتى تأسيس أخبار الأدب التي أصبح رئيسا لتحريرها، فإنه ظل يفخر بلقب الصحافي، فكان قدوة لتلاميذه في حب مهنة الصحافة والتفاني في بلاط صاحبة الجلالة.

من ناحيته، يرى وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبدالحميد أن الغيطاني هو أحد الكتاب الكبار في مصر والعالم العربي على مدار تاريخه لأنه عبر عن هموم الناس وعذاباتهم وآلامهم، وهواجسهم، موضحا أنه لم يكن كاتبا فحسب، بل كان عميقا في قراءاته المتنوعة ولم يترك شيئاً إلا وقرأ فيه.

ولفت عبدالحميد إلى أن الراحل كان صاحب رؤية مختلفة عن التاريخ، وكان يعتبر الحاضر تاريخا وكان يعشق التعبير عن البسطاء من الناس سواء كان ذلك في رواية أو قصة قصيرة أو مقال صحافي، فقد كان يستحق جائزة نوبل للآداب، موضحا أنه كان لصاحب رواية «الزيني بركات» قناعات فكرية خالصة وعبر عن رأيه فيها دون لف أو دوران، ولم يهتم بردود الفعل لأن الوطن عنده كان فوق كل شيء.

قامة أدبية كبيرة

من جانبه، أكد الروائي الكبير عبدالوهاب الأسواني أن الغيطاني، رحمه الله، يعد واحدا من أهم الكتاب المصريين فقد كان قامة أدبية كبيرة وعظيمة، ويعتبر أحد رواد الرواية والسرد في مصر والعالم العربي، حيث قام بنقل الرواية العربية إلى أوروبا من خلال أشهر أعماله مثل «الزيني بركات»، التي قرأت في الخارج جيدا واحتفوا بها لما لها من ثقل أدبي وفني عاليين.

ويؤكد الأسواني أنه «لا يمكن أن نحصر الراحل الكبير في إطاره الروائي والصحافي فحسب بل كان مفكرا سياسيا ومثقفا كبيرا وعاشقا للموسيقى والفن التشكيلي، واستطاع أن يعثر على صوته الخاص، ونبرته التي لا تشبه أحدا غيره، ومنذ بداياته كان همه الأساسي هو البحث عن صوته الخاص ونبرته التي لا تختلط بالآخرين، فالكتابة كانت بالنسبة له هي إعادة بناء للذاكرة».

رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، طارق الطاهر، أحد الذين تتلمذوا على يدي الغيطاني، يقول إنه تعلم كل شيء على يد الراحل بعدما انضم لكتيبة «أخبار الأدب»، معتبرا إياه بأنه كان صاحب عالم خاص في كل شيء، فكان لا يحيد عن ثوابته أبدا حتى لو خاض في سبيل ذلك أية معارك ضارية.

ذاكرة وطنية

ويضيف أن «الغيطاني كان أخلص الناس للوطن»، وهو ما تأكد أثناء حرب الاستنزاف عندما سمع عن جندي مصري قام بقنص عدد كبير من جنود العدو الإسرائيلي، فسعى لمقابلته لإجراء حوار معه وتوجيه التحية له، وأثناء ذهابه إليه تعرضت السيارة التي يستقلها لقصف، موضحا أنه لهذا السبب كان يقول دائما: «أنا عايش بالصدفة».

ويرى الطاهر أن الغيطاني كان واحدا من حماة ذاكرة هذا الوطن فمكتبته عامرة بالآلاف من الكتب، مشيرا إلى أن معظم الكتب التي صدرت عن هيئة الكتاب في الآونة الأخيرة عن قناة السويس هي من مكتبة الغيطاني المليئة بالطبعات النادرة أو محدودة النسخ، وقام الغيطاني بجمعها ونشرها مرة أخرى غيرة منه على الذاكرة الوطنية وحرصه عليها فقد كان مدافعا قويا عن هذه الذاكرة.

الكاتب والروائي علاء الأسواني عبر عن أسفه لرحيل الغيطاني عبر مشاركة له من خلال حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «في ذمة الله الأديب الكبير جمال الغيطاني... رحمه الله بقدر ما كافح من أجل إبداعه... مع السلامة يا أستاذ جمال».

«أوراق شاب عاش من ألف عام»

«أوراق شاب عاش من ألف عام» من أبرز ما كتب جمال الغيطاني ودشنت اسمه على خريطة الإبداع، وهي عبارة عن مجموعة قصصية رائدة من حيث إحيائها للتراث المصري الإسلامي، حملت بذور ما سيكتب الغيطاني طوال مسيرته اللاحقة كما ارتبطت في الأذهان بحدة نبرتها السياسية، إذ إن كل القصص ذات مضمون سياسي معاصر رغم تناولها أحداثاً موغلة في القدم، إذ تناولت مثلاً قصة «هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة» موضوع التعذيب في السجون، واعتباطية ممارسة السلطة، وتحدثت قصة «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» عن هزيمة 1967 من منظور مواطن عادي.

كما تضم المجموعة قصة «المقتبس من عودة ابن إياس إلى زماننا»، وهو مؤرخ عاش في العصر المملوكي، ومن أشهر مؤرخيه وشهد الفتح العثماني... يتخيل الكاتب شعور ابن إياس إذا عاد إلى هذا الزمان.

وقصة «أيام الرعب» تدور حول شاب يعيش في البندر هرباً من ثأر عائلي، وتدور الأحداث عن الرعب والخوف اللذين يتملكانه.

وقصة «كشف اللثام عن أخبار ابن سلام»، وهي شخصية عاشت في أواخر العصر المملوكي وبداية العصر العثماني، وقد دارت حوله الكثير والكثير من الأقوال والأساطير.