النظام السوري والأكراد في الحسكة: تحالف الأمر الواقع ضد داعش
على الجبهة الجنوبية لمدينة الحسكة السورية، يستريح جنود وسط طقس حار قبل استئناف القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يتخذ مقاتلون أكراد في حي قريب من مدرسة نقطة انطلاق لعملياتهم ضد العدو نفسه: التنسيق بين الطرفين واضح، ولو غير معلن.
وتدور منذ 25 يونيو معارك ضارية في جنوب المدينة، وتقاتل القوات النظامية التنظيم الذي شن هجوماً نجح خلاله في السيطرة على بعض الأحياء، بينما تتصدى وحدات حماية الشعب الكردية للجهاديين عبر جبهة أخرى منفصلة وتمكنت خلال الأيام الماضية من تضييق الطوق عليهم، بدعم من الغارات الجوية التي ينفذها الائتلاف الدولي بقيادة أميركية.داخل مبنى من طبقة واحدة محاط ببراميل وسواتر ترابية في حي غويران، قال ضابط كبير وهو يتفقد جنوده لوكالة فرانس برس "لم يعد لداعش أي تواجد هنا.. بقيت لهم منطقة صغيرة هي مقبرة غويران عند أطراف الحسكة".وأكد الضابط رافضاً الكشف عن هويته وجود تنسيق مع المقاتلين الأكراد، وقال "ما كان لينجح الحصار على الدواعش لولا الأسلحة التي أعطيناها للأكراد، زوّدناهم بكل شيء تقريباً... هناك ثلاث دبابات بكامل طواقمها من الجيش عند الأكراد".وكانت الجبهة هادئة نسبياً في اليوم الذي قصدها فيه مراسلو فرانس برس هذا الأسبوع، وكان الجنود يتناقلون زجاجة مياه ويشربون منها تباعاً بينما الحرارة تجاوزت الأربعين درجة مئوية.وقال أحدهم "لا يمكننا أن نقاتل منفردين في محافظة الحسكة.. داعش يهجم بأعداد كبيرة، والأكراد يدافعون عن مناطقهم في المدينة، وهذا ليس بأمر سيء".وتتمركز القوات النظامية السورية مدعومة من مسلحين من عشائر عربية على بعد أقل من ستمئة متر من الجبهة الكردية.وكان الجهاديون تسللوا إلى غويران بعد أن سيطروا على أحياء النشوة والشريعة ومحيطها في جنوب المدينة، وتمكنت قوات النظام من اخراجهم من معظم حي غويران بعد أن دخل المقاتلون الأكراد على خط المعركة.ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تنظيم الدولة الإسلامية يحاول حالياً "فتح طريق إمداد من الجهة الجنوبية الغربية لمدينة الحسكة لإيصال الإمدادات والذخائر والآليات الثقيلة إلى القسم الجنوبي حيث بات محاصراً بشكل شبه كامل من قوات النظام والمقاتلين الأكراد".على مسافة قصيرة من النقطة العسكرية، يمكن رؤية بقايا سيارة مفخخة انفجرت في المكان، وقد نفذ تنظيم الدولة الإسلامية عشرات العمليات الانتحارية خلال هجومه على الحسكة.وليس التنسيق بين الجيش والأكراد أمراً مستجداً، بحسب الجنود.وروى جندي طالباً عدم ذكر اسمه أنه سبق له أن ذهب مع "خمسة من رفاقي إلى جبهة مع الأكراد حيث شاركنا في القتال على سلاح المدفعية.. أمضينا ستة أشهر نقوم بعمليات الإسناد البعيد لعناصر المشاة الأكراد". لكن في الجانب الكردي، ينفي المقاتلون أن يكونوا حصلوا على أسلحة من الجيش السوري علماً أن كل أسلحتهم من صنع روسي وشبيهة بأسلحة الجيش، بحسب ما لاحظ مراسلو فرانس برس.وقال مقاتل في مدرسة في حي معروف تجمع فيها مقاتلون أكراد، أن الأسلحة غنمت من مراكز عسكرية سيطر عليها الأكراد بعد انسحاب القوات النظامية منها.إلا أنه أكد على أنه عندما سيلتقي ورفاقه "وجهاً لوجه معهم (قوات النظام) في جنوب المدينة، لن نقاتلهم"، فالعدو الوحيد بالنسبة إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب هو "داعش".وقال ديدار (18 عاماً) لفرانس برس "حملت البندقية منذ أن كان عمري 16 سنة، لا أستطيع قبول دخول الدواعش إلى أرضي وأبقى مكتوف الأيدي"، ثم تسلق مقاعد دراسية وضعت فوق بعضها، وهو يحمل رشاشاً متوسّطاً بيد واحدة، وهتف عالياً "واي بي جي، واي بي جي" (الأحرف الأولى لاسم وحدات حماية الشعب بالانكليزية).في غرفة أخرى من الطابق الأول، تمركزت شيرين وجيندا من وحدات حماية المرأة ترصدان عبر نافذة رفاقهم في البساتين المقابلة مع ابتسامة تكبر كلما تقدّموا بين الأشجار والأعشاب، وقالت شيرين لوكالة فرانس برس "تمكنت وحدات حماية الشعب من التقدم في الأطراف الشرقية لمدينة الحسكة بهدف إكمال الطوق على داعش".على جدران المدرسة، تظهر كتابات خلّفتها القوات السورية تحيي الرئيس بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، وإلى جانب علم سوري مرسوم على حائط، ترتفع رايات وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وأعلام كردية.وفر من الأحياء الجنوبية للحسكة التي تشهد معارك متواصلة، أكثر من 120 ألف شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة.على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من خطوط التماس، تعود الحركة إلى أسواق المدينة الرئيسية في فترات الهدوء.وتحمل أحياء عدة في المدينة آثار التفجيرات والقصف، فرع الأمن الجنائي شبه مدمّر بعد استهدافه بعملية انتحارية تسببت بمقتل رئيس الفرع العقيد زياد خليل في 26 مايو، كما بدت آثار القذائف على جدران الأبنية، وعلامات خلفتها الآليات الثقيلة في الشوارع وفوق الأرصفة.في فضاء المدينة، تتناوب طائرات الائتلاف الدولي والجيش السوري على التحليق، ما يوحي بأن التنسيق لا يقتصر على قوات النظام والأكراد.ويقول مسؤول في وحدات حماية الشعب لفرانس برس "هناك تواصل بين النظام وقوات التحالف عبر وسيط كردي من أجل تنسيق طلعات الجو، يتصل أحد الطرفين بالمنسق ليبلغه بأن هناك طلعة جوية قادمة طالباً اخلاء الجو، فيبلغ الوسيط الكردي الطرف الآخر بالأمر".ويضيف "لا يمكن أن تحلّق طائرتان في المجال الجويّ نفسه حتى لا تصطدما".