العرب وثقافة اليابان (1-2)
تنامت العلاقات العربية اليابانية خصوصاً في المجال الثقافي، حيث أنشأت اليابان في القاهرة مركزا للإعلام ونشر الثقافة اليابانية عام 1965، وفي عام 1995 تم إيفاد 1012 خبيرا يابانياً الى مصر للمساعدة الفنية وأرسل 3165 متدربا مصريا إلى اليابان فضلاً عما قدمته من معونات ولجان متطوعين، ودعم منظمات غير حكومية ومحطات كهرباء.
سقطت القنبلة الذرية الأولى على رؤوس أهالي "هيروشيما" في اليابان عام 1945، وسرعان ما تلتها قنبلة ذرية ثانية على سكان ناغازاكي، وذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية، ويفترض المواطن العربي كما يقول "وفيق خنسة" كاتب كتاب "الشخصية اليابانية"، دمشق 1994: "أن يكون اليابانيون معبئين بالحقد والعداء لأميركا ليس بسبب القنبلة الذرية فحسب، بل بسبب الجرائم التي ارتكبت على كل شبر من أرض اليابان، وبسبب الاحتلال الأميركي الكامل للوطن الياباني، وحتى الآن هناك 155 قاعدة عسكرية أميركية على الأراضي اليابانية، لكن الموقف الياباني ليس على هذه الصورة تماماً، مع الإشارة إلى أن الياباني لا يفصح عن مشاعره وآرائه، كما أنه يتمتع بقدرة هائلة على التحمل من دون أن يستسلم، وإذا تذكرنا العداوة التقليدية بين اليابان وكل من روسيا التي تحتل جزر الكوريل اليابانية وكوريا الشمالية التي تهدد اليابان بسلاحها النووي أدركنا لماذا وجد اليابانيون في الولايات المتحدة حماية من أعداء أشد خطرا، كما أنهم يعترفون بأن الولايات المتحدة ساعدت في نهوضهم الاقتصادي، كل ذلك لا يعني أن اليابانيين قد نسوا جراحهم، وما نزل بهم من دمار وإذلال واستعمار، بل إن اليابانيين واقعيون وهم لا يهتمون بالبلاغة، وإطلاق الشعارات، والتعابير الساخنة، لأنهم أقرب إلى الصمت، لكن الأمر الذي لا جدال فيه أن الياباني متعصب لانتمائه وتاريخه وثقافته، وقد بدأ اليابانيون يثأرون بالفعل من مستعمريهم فرؤوس الأموال اليابانية تسيطر بقوة على الاقتصاد الأميركي، كما أن السلع اليابانية تطرد السلع الأميركية من أغلب أسواق العالم بما فيها الولايات المتحدة نفسها. (اليابان بعيون عربية، د مسعود ضاهر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2005، ص154)تفاوتت تجربة الكتّاب والدارسين العرب للتجربة اليابانية زماناً وعمقاً، بين انطباعات عابرة ودراسة معمقة، ولكن الفجوة كما هو معروف، لا تزال واسعة بين كمية الأبحاث والدراسات المتوافرة عن اليابان ودول آسيا باللغات الأوروبية، وبين الكتب والدراسات العربية وحتى المترجمة عن اليابان وآسيا، ويمثل "وفيق خنسة" كما يراه د. الضاهر نموذجاً للباحث الذي أضاف الكثير في هذا المجال، ويقول د. ضاهر عن تجربة "وفيق خنسة": "عاش المؤلف سنوات طويلة في اليابان طوال العقد الأخير من القرن العشرين، فقد مارس التدريس في جامعاتها، وأقام صداقات مع عدد من الباحثين اليابانيين وأجرى حوارات معهم، وقدم مجموعة انطباعات مهمة مستقاة من معايشته اليومية لليابانيين وكيفية النظر الى المجتمع الياباني من الداخل، وترجم الى العربية مجموعة كوايدان، وهي حكايات شعبية يابانية مشهورة، صدرت عن "دار المجد"، في سورية عام 1992 ونشر كذلك ديوان شعر بعنوان "قصيدة هيروشيما"، صدرت عن دار كنعان بدمشق في عام 2001، وفيها ترجمة القصيدة للباحث الياباني موري شنتارو إلى اللغة اليابانية، وترجمة مجاب الإمام لها الى اللغة الانكليزية.وكانت لوفيق خنسة مساهمة بارزة في التحضير لكتاب نوتاهارا بالعربية العرب: وجهة نظر يابانية، والذي أحدث هزة إيجابية كبيرة في الأوساط الثقافية العربية فور صدوره عام 2004". (المرجع نفسه، ص153).ما الذي وجده الكاتب "خنسة" مفيداً لنا عند اليابانيين؟يقول الخنسة: "نجد عندهم الكثير مما نفتقد إليه، ونحتاجه لبناء مجتمعنا العربي المعافى ففي يابان الشرق الأقصى ظواهر نحن بأمس الحاجة لمعرفتها، ومعرفة الطرائق التي اتبعها اليابانيون في معالجتها. إن عندهم طوائف، وديانات، ومشاكل، لكن ذلك كله لا يمس الانتماء إلى الوطن الياباني، ولا يؤثر على الولاء المطلق للأمة. فالتاريخ الياباني يحظى بقداسة لكنه تاريخ خفيف لا يشكل عبئا على الحاضر أو المستقبل، بل على العكس، إنه يشد أزر اليابانيين للمضي قدماً على دروب الازدهار الاقتصادي". (ص154).ولنا على هذا التحليل بعض الملاحظات حول التجربة اليابانية وبخاصة علاقتها مع أميركا والغرب، نؤجلها إلى مقال قادم، ونتساءل هنا: كيف تنامت العلاقات العربية اليابانية في المجال الثقافي خاصة؟ يقول د. ضاهر: "فتحت اليابان مركزاً عام 1936 سرعان ما أغلقته بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، ثم عادت فأنشأت في القاهرة مركزا للإعلام ونشر الثقافة اليابانية عام 1965. وكان قد تم حتى عام 1995 إيفاد 1012 خبيرا يابانياً الى مصر للمساعدة الفنية و3165 متدربا مصريا الى اليابان ومعونات ولجان متطوعين، ودعم منظمات غير حكومية ومحطات كهرباء. ومن الأرقام ذات الدلالة في ملاحظات د. ضاهر أن عدد المصريين الذين كانوا يدرسون اليابانية بلغ المئتين سنوياً، منذ عام 1969، فعددهم اليوم عدة آلاف، ولكن لم يتم إنشاء مركز ثقافي مصري في اليابان حتى 1992. على صعيد آخر وصل إلى مصر عام 1957 أول طالب ياباني، وفي العام التالي حصل أول مصري على منحة من وزارة التعليم اليابانية. وبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس الذين زاروا اليابان بموجب إيفاد رسمي خلال التسعينيات 88 عضواً مقابل 55 أستاذا يابانيا و157 لدراسة أو إتقان اللغة العربية، وكان عدد الطلبة اليابانيين في مصر 54 طالباً وطالبة عام 1999-2000، منهم 41 لدراسة اللغة العربية، و9 لدراسة الاقتصاد المصري والعلوم السياسية، وطالبان لدراسة الحقوق، ومثلهما لدراسة آثار مصر.وفي دراسة للأستاذ "رضا هلال" نشرها "عصام حمزة" في كتاب "الدراسات المصرية في اليابان"، وأعاد نشرها د. ضاهر، معلومات قيمة عن طبيعة تدريس اللغة اليابانية في مصر ومدى الاهتمام بها ما بين 1974-2000: "تخرج من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة منذ إنشائه عام 1974 حتى عام 2000 حوالي 480 طالبا وطالبة درسوا اللغة اليابانية، ومداخل الثقافة، والحضارة، والدين والآداب في اليابان، وفي عام 1994 تم توقيع اتفاقية لاستقدام أساتذة يابانيين لتدريس مواد تخصصية في الفكر الياباني والنواحي الأدبية والدينية والسياسية اليابانية لطلبة الدراسات العليا، وقد تخرج من قسم الدراسات العليا 38 طالبا وطالبة حتى عام 2000 ومنح القسم درجتي دكتوراه إحداهما في التاريخ الياباني والأخرى في اللغة اليابانية، وتتبرع اليابان بمبلغ 5.1 ملايين دولار للمساهمة في نفقات هذا القسم الذي عقد ثلاثة مؤتمرات، قدمت معظم أبحاثها باللغة اليابانية، وترجم عدداً من الكتب والروايات عن اليابانية، وقدمت 8 رسائل للماجستير والدكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تناولت القضايا والدراسات اليابانية، وتم إنشاء معهد البحوث والدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق سنة 1993، تخرج منه حتى عام 1998 حوالي 136 طالباً وطالبة منهم 37 طالباً وطالبة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، و99 طالباً وطالبة في مرحلة الدبلوم، وأُنشئ مركز للدراسات الآسيوية في إطار كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في عام 1995، وهو يهتم بالدراسات اليابانية والآسيوية، ويصدر سلسلة "أوراق آسيوية". ومنذ إنشائها في عام 1965 حتى عام 2000، أصدرت مجلة السياسة الدولية 61 دراسة وتقريرا عن اليابان".ما واقع الاهتمام الحالي في العالم العربي باللغة والثقافة اليابانية؟تحدثت نشرة صادرة على "النت" عن جامعة القاهرة يوم 13 /11/ 2014 أن كلية الآداب بالجامعة تنظم مؤتمراً عن واقع الدراسات اليابانية في العالم العربي بمناسبة مرور 40 عاماً على إنشاء قسم اللغة اليابانية ما بين 16-18 نوفمبر، وذلك بالتعاون مع مركز الإعلام والثقافة بسفارة اليابان بالقاهرة، ومؤسسة اليابان للتعاون الدولي، وجمعية خريجي قسم اللغة اليابانية بالجامعة، حيث يتم تقديم 20 بحثاً بالمؤتمر.وأوضح د.كرم خليل مقرر المؤتمر ورئيس قسم اللغة اليابانية "أن فعاليات المؤتمر تتناول عدة موضوعات على مدار ثلاثة أيام، منها: دراسات حول اللغة اليابانية ومقارنتها باللغات الأخرى، ومشاكل الترجمة بين اللغتين العربية واليابانية عند العرب، وتكنولوجيا المعلومات ومستقبل تعليم اللغات الأجنبية، واللغة والثقافة اليابانية في مصر كقوة ناعمة، ودراسات حول الدراسات الفكرية والثقافية المقارنة، ودراسات حول الأدب الياباني ومقارنتها باللغات الأخرى.وتشمل فعاليات المؤتمر أيضا عرض تجارب شخصية علمية لطلاب القسم المبعوثين إلى اليابان خلال العام الجامعي 2013/ 2014 في إطار بروتوكول التعاون بين جامعة القاهرة والجامعات اليابانية".