بعد موافقة الكونغرس الأميركي على قانون المخصصات لعام 2016، يمكن أن تتحقق درجة رئيسية من الاصلاح في صندوق النقد الدولي، ولكن التأخير الذي استمر خمس سنوات منذ تلك التغييرات، التي هدفت الى إعطاء مزيد من القوة إلى الدول الناشئة، يجعل تلك التغييرات أقل فائدة بالنسبة إلى تعزيز دور صندوق النقد مثل أكثر مؤسسة مالية أهمية في العالم.

Ad

وفي عالم متغير تحتاج حوكمة مؤسسة إقراض الملاذ الأخير إلى تحديث، وقد اتفق قادة مجموعة العشرين في سنة 2010 على أن الحصص الفردية وحقوق التصويت في صندوق النقد الدولي غدت في حاجة إلى تحقيق تمثيل أفضل لوضع أعضائه ضمن الاقتصاد العالمي، وكان ذلك يعني تقليص دور الدول الأوروبية المتقدمة وبلدان الخليج مع زيادة الدول الناشئة وخاصة الصين.

وقد تطلب الإصلاح موافقة الولايات المتحدة على تعديل من أجل جعل كل المديرين التنفيذيين في الصندوق ينتخبون (وبعضهم تم تعيينه في الآونة الأخيرة) كما أن الولايات المتحدة أرادت حماية مركزها كصوت مهيمن في صندوق النقد الدولي، وكانت مضاعفة كل الحصص ستحقق ذلك الهدف. تلك التغييرات لن تكلف الولايات المتحدة المزيد من المال وسوف تظل التزاماتها عند حوالي 170 مليار دولار مع مجيء الزيادة في الحصص من الأموال الإضافية التي وفرتها – مثل العديد من الدول الأخرى – إلى صندوق النقد الدولي في أعقاب الأزمة المالية العالمية سنة 2008، وكانت موافقة الكونغرس الأميركي على دفع بعض ذلك الالتزام إزاء الحصص مجرد إجراء فني ليس إلا.

وعلى أي حال عارض نقاد صندوق النقد الدولي في الكونغرس قرار الصندوق حول إقراض اليونان على الرغم من الشكوك العميقة والخطيرة بالنسبة إلى قدرة ذلك البلد على السداد، وقد أشار صندوق النقد إلى قاعدة تسمح بالقيام بمثل ذلك الإقراض في حال تهديد دولة فاشلة بنشر العدوى على صعيد دولي، ولكن تلك لم تكن المشكلة بالنسبة إلى المحافظين في الولايات المتحدة وكانت المؤسسات المالية في الولايات المتحدة أقل انكشافاً على الأصول اليونانية السامة من الدول الأوروبية، وكان على أوروبا الاهتمام بمشاكلها الخاصة.

وفي حقيقة الأمر، استفادت الدول الأوروبية بصورة غير متناسبة من اقراض صندوق النقد في السنوات القليلة الماضية.

تشكل تلك الاعتراضات الأميركية درجة قليلة من المنطق الآن، وقد مضت عملية الإنقاذ الأخيرة الخاصة باليونان من دون مشاركة صندوق النقد الدولي، ولايزال هذا الصندوق يشعر بشكوك إزاء قدرة أثينا على سداد ديونها، ولكنها لم تعد تشكل خطراً منهجياً، كما تبين أن الاتحاد الأوروبي على درجة كافية من الغنى لتمويل حزمة انقاذ اليونان التي بلغت 85 مليار يورو (92 مليار دولار).

وإضافة إلى ذلك تم تحقيق اتفاق سياسي، حيث يدعو قانون المخصصات ممثل الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي إلى استخدام سلطة تصويته من اجل الغاء ما يدعى "الاستثناء المنهجي" الذي سمح لصندوق النقد الدولي بالمشاركة في عملية الإنقاذ السابقة لليونان.

إعادة الترتيب المتأخرة

وهكذا يتعين على عملية إعادة الترتيب التي تأخرت كثيراً، والتي وصفها الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان، بأنها "الإصلاحات الأكثر أهمية في حوكمة تلك المؤسسة منذ تأسيسها"، يتعين أن تمضي قدماً بصورة سلسة، وسوف يكون ذلك مفيداً بالنسبة الى متلقي عملية الانقاذ لأن مضاعفة المخصصات ستجعل من الأسهل بالنسبة الى صندوق النقد الدولي اقراضهم مزيداً من المال في فترة أقصر، وبموجب متطلبات أكثر مرونة، ولكن على الرغم من ذلك فإن التغييرات ربما كانت قليلة كثيراً وقد غدت الآن متأخرة الى حد كبير.

توزيع حصص التصويت

ويرجع ذلك إلى أن التوزيع الجديد لحصص التصويت لا يحقق العدالة بالنسبة الى الصين، كما أن الولايات المتحدة أيضاً تتمتع بصوت أقل من حجم حصتها في الاقتصاد العالمي، وتزداد الفجوة بين قوة الصين الاقتصادية ونفوذها في صندوق النقد الدولي.

ومما لا شك فيه أن قوة إعادة التوزيع ستسعد الصين، وهي مكافأة إضافية بعد قرار صندوق النقد الدولي اعتماد اليوان الصيني كعملة احتياطية في العام المقبل، ولكن ذلك لن يردع بكين عن تأسيس مؤسسات بديلة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ثم إن الصين، على الرغم من ضخامتها، لا تستطيع تحمل وضع كل البيض في سلة تهيمن الولايات المتحدة عليها.

وهذا ما لا تستطيع القيام به أيضاً الدول الناشئة الاخرى مثل الهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهذه الدول – مع الصين – قد أسست البديل لصندوق النقد الدولي، وهو ما يدعى بنك التنمية الجديد، وهو لن يتمتع بأهمية خاصة في السنوات المقبلة بسبب ضعف الاقتصاد في روسيا والبرازيل، وعلى الرغم من ذلك فإن الرغبة في الاقراض في تشكيل مجمع اقراض مستقل عن الغرب لن يكون من دون تأثير.

الدور الأوروبي

من جهتهم، يقوم الأوروبيون بتشكيل بنية تحتية طارئة خاصة بهم، وهي ملاحظة متقدمة على أن دورهم في صندوق النقد الدولي سوف ينكمش ويتقلص ليبرز أن حاجتهم في حالات الأزمات الخطيرة تفوق قدرة الصندوق على تقديم المساعدة لهم.

وكان إدوين ترومان، وهو متخصص في المؤسسات المالية الدولية لدى معهد بترسون للاقتصاد الدولي كتب في الآونة الأخيرة يقول إن "كأسه نصف مملوءة فقط بالشراب" في اتفاق الكونغرس الذي يسمح بإصلاحات صندوق النقد الدولي.

بدورها، فإن الولايات المتحدة، وهي العضو الوحيد الذي يملك الصوت اللازم لعرقلة التغييرات الرئيسية المتعلقة بعمل صندوق النقد الدولي، قلصت قدرتها على التأثير في الأحداث، ولم تعد الولايات المتحدة تعتبر شريكاً مفاوضاً موثوقاً في القضايا المتعلقة بصندوق النقد الدولي.

وعلى أي حال قد لا تكون تلك القضية المهمة في هذه النقطة، والمشكلة الأكبر تتمثل في أن الدول الناشئة تريد بشكل فعلي قيام المؤسسات المالية الدولية بتوفير التمويل لأغراض التنمية، وكما أشارت كارمن رينهارت وكريستوف تريبيش في دراسة حديثة فإن "النزاع المتأصل الذي واجهه صندوق النقد الدولي كان بين تقوية دوره مثل مقرض دولي كملاذ أخير وبين طلبات العديد من الدول الأعضاء للحصول على إقراض متسلسل ما أفضى الى برامج متكررة وإلى حالة دائمة من الدين السليم ".

وقد جادل المؤلفان في أن هذا يمثل ابتعاداً عن الأداء الأصلي للصندوق على شكل مقرض الملاذ الأخير.

إن متطلبات الموافقة الأميركية على اصلاحات سنة 2010، بما في ذلك الطلب الذي يدعو ممثل الولايات المتحدة الى طلب الإذن في بلده قبل التصويت على الموافقة على أي برنامج واسع النطاق، يبدو مثل إشارة على رغبة الولايات المتحدة في اعادة توجيه صندوق النقد الدولي الى قواعده الأصلية.

وتمشياً مع توصيات المؤلفين المشار اليهما، فإنهما يريدان أن يتقيد الصندوق بمعاييره في استدامة الديون، وأن يساعد فقط في حالة حدوث أزمة يمكن أن تحل من خلال مساعدة طارئة، ويجعل ذلك صندوق النقد أقل أهمية بالنسبة الى الدول الناشئة، لأن تمكينها عبر الاصلاحات المقترحة لن يحل النزاع.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky