يتعين على مرشحي الرئاسة الأميركية من الحزب الجمهوري، مثل جيب بوش، أن يحاولوا شيئاً مختلفاً عن الفكرة القائلة بأن خفض الضرائب يمكن أن يصلح كل شيء.

Ad

وهذا لا يعني القول بعدم وجود جانب مقبول في خطة سياسة بوش التي أعلنها في الآونة الأخيرة، والتي تهدف الى خفض ضرائب الشركات التي يعتقد خبراء الاقتصاد أنها تشوه صورة الأوضاع الاقتصادية بقدر كبير، كما أنها تلغي التعامل الضريبي المفضل بالنسبة الى الديون في مقابل الأسهم في الوضع المالي، وهو ما يتماشى مع فهمنا الحديث القائل بأن فقاعات الديون اكثر خطراً من فقاعات الأسهم، كما تعمل أيضاً على سد الثغرات المتعلقة بالحسومات، وتوسع الحوافز الخاصة بشركات الاستثمار، اضافة الى حفنة من الخطوات المفيدة الاخرى.

ولكن الأساس في تلك الخطة، والذي يتمثل في العنصر الذي جذب العناوين الرئيسة، يكمن في خفض الضرائب، إذ يريد بوش خفض معدلات الضريبة الهامشية العليا الى 28 في المئة، وهو أدنى مما كانت عليه باستثناء سنتين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كما يهدف بوش أيضاً الى الغاء ضريبة العقارات وهي خطوة تذكرنا بخطة أخيه جورج دبليو بوش قبل 15 سنة.

غير أن ذكريات التاريخ ليست مشجعة جداً عندما يتعلق الأمر بتأثير خفض الضرائب على معدلات النمو، حيث تقول النظرية الاقتصادية إن خفض الضريبة يخضع لتراجع العوائد، وقد أفضى الخفض الكبير في معدلات الضرائب في عهد الرئيس الراحل جون كيندي الى موجة من النمو، كما وفر الخفض الإضافي في عهد رونالد ريغان تحسناً متواضعاً بقدر أكبر، ولكن خفض الضرائب الذي حققه جورج دبليو بوش في بداية الألفية الثالثة كان فشلاً ذريعاً، وكان ضعيفاً بالمقارنة مع الطفرات السابقة، وقد تحولت الميزانية الفدرالية خلاله من الفائض إلى العجز.

وجهة نظر الجمهوريين

وفي غضون ذلك يبدو أن لدى الجمهوريين القدرة فقط على تكرار القول بأن خفض الضرائب سوف يكون مجدياً من خلال طرح المزيد من النمو وعدم فقدان العوائد الضريبية، وهو افتراض يكاد ألا يصدقه أي اقتصادي يتمتع بمصداقية.

وبكلمات اخرى، فإن خفض الضرائب الذي يريده جيب بوش سوف يقدم لنا، في أحسن الحالات، القليل من النمو، بينما يفضي الى تكلفة عالية في المقابل، في وقت تشير التقديرات الى أن خطة بوش المذكورة سوف تكلف حوالي 3.4 تريليونات دولار خلال العقد المقبل.

وأود في هذا الصدد أن أقترح مقاربة مختلفة، وهي أن على الجمهوريين الكف عن التركيز بهذا القدر الكبير على قضية الضرائب وأن يكرسوا المزيد من الوقت لتناول مسألة الغاء – أو تخفيف – القيود المالية في الولايات المتحدة.

المعروف أن الغاء القيود المالية يشكل واحدة من الدعامات الرئيسية للمقاربة الليبرالية الجديدة المتعلقة بالسياسة الاقتصادية، وتشمل قائمة الدعامات الاخرى قضايا ذات علاقة بالتجارة الحرة وخفض الضرائب والانفاق الحكومي، ولكن الحزب الجمهوري لم يعتبر تلك الدعامة أولوية قصوى في الماضي، ويقول وليم نيسكانن، وهو أحد مهندسي برنامج السياسة الاقتصادية في عهد الرئيس رونالد ريغان، إن الخفض في الغاء القيود المالية ذات الطابع الاقتصادي، والذي بدأ في عهد الرئيس جيمي كارتر استمر، ولكن بوتيرة أبطأ، ومن الواضح أن الغاء القيود المالية كان الأولوية الأدنى ضمن العناصر الرئيسية في برنامج ريغان الاقتصادي.

موقف ريغان السلبي

كان موقف ريغان سلبياً بكل تأكيد في ما يتعلق بالغاء القيود المالية، وقد تبين ذلك بجلاء من خلال النمو البطيء للسجل الفدرالي الذي يتم فيه تسجيل القوانين والأنظمة خلال فترة رئاسته، ولكن معظم خطوات الغاء القيود المالية الكبيرة التي أبرزت العصر الجديد الليبرالي الراهن قد حدثت خلال عهد جيمي كارتر أو رؤساء سابقين أيضاً.

وربما يتعين على الجمهوريين التفكير في سد هذه الفجوة في أجندة سياستهم، وعلى الرغم من صعوبة قياس كمية الغاء القيود المالية في شتى قطاعات الاقتصاد توجد ميادين متزايدة تبعث على القلق.

وعلى سبيل المثال، يعتبر مدى الترخيص المهني، الذي يعتقد خبراء الاقتصاد انه يعرقل النمو، على قدر كبير من السلبية، ويبدو من دون سبب منطقي خلفه، وقد بدأت ادارة باراك اوباما في الواقع بمعالجة هذه القضية، وإذا أراد الجمهوريون رسم صورة عنهم على شكل مصلحين حقيقيين قد يتعين عليهم معالجة هذه القضية.

ويتمثل مصدر القلق الآخر في التنظيم البيئي الذي يعرقل تطوير البنية التحتية، وعلى الرغم من أن بعض الأنظمة البيئية يشكل ضرورة كما هو الحال بالنسبة الى الحفاظ على الهواء النقي فإن المعارضين المحليين لهذا التوجه يتمكنون في غالب الأحيان من استخدام مراجعات بيئية مكلفة حقاً للحيلولة دون تحقيق البنية التحتية اللازمة.

وهناك أيضاً مسألة تحديد المناطق، ومع ارتفاع الحوافز المتعلقة بالكثافة السكانية أصبح تنظيم المناطق عبئاً متزايداً على النمو، وربما حان الوقت كي تتدخل الحكومة الفدرالية لتعمل على تشجيع السكان المحليين على تخفيف سياستهم المتعلقة باستخدام أراضيهم.

ويتمثل مصدر القلق الآخر في إدارة الأغذية والعقاقير، ويقول أليكس تاباروك، وهو اقتصادي من جامعة جورج ميسون، إن على ادارة الأغذية والعقاقير اصلاح وتنسيق العملية التي تستخدمها في الموافقة على العقاقير الجديدة المهمة والأجهزة الطبية.

وأخيراً، لا بد من الإشارة الى قانون ساربانس – أوكسلي، إذ يشكل الهبوط في عدد الشركات العامة المدرجة في سوق المبادلات وعروض الاكتتاب الأولي في الولايات المتحدة مصدر قلق وازعاج، وعلى الرغم من وجود بعض الأدلة على أن ذلك القانون لم يكن مسؤولاً عن كل الخفض الذي تحقق يعتقد العديد من المراقبين أنه لعب دوراً في هذا الصدد ويتعين اصلاحه.

تأثر النمو الاقتصادي

هذه العوامل كلها قد لا تشكل بكل تأكيد المجالات التي تفضي الى عرقلة النمو نتيجة الغاء القيود المالية، ولكن المشكلة المتعلقة بذلك الالغاء، هي أنه ليس قضية محددة بل شريحة واسعة من القضايا المختلفة، ولكن أي نظام اقتصادي سليم سيتوصل الى توازن بين التنظيم والغاء القيود المالية ويتطلب ذلك من صناع السياسة الوقوف الى جانب الغاء القيود المالية.

يذكر أن الحزب الجمهوري اختار أن يترك ذلك العمل للديمقراطيين في العديد من المناسبات خلال العقود القليلة الماضية، وإذا عمد الحزب الجمهوري الى معالجة هذه القضية فقد يحقق انتاجية أكبر، وربما يطرح خطة واعدة تنطوي على تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي.

* Noah Smith