دعوة يوجهها الكاتب إلى انتهاج الحلول الكبيرة لعلاج المشكلات المجتمعية، رغم صعوبة التنفيذ في أولها، لهول ما تراكم عبر الزمن من سلبيات مثل الإرث الفكري لمجتمع انقلب على العمل والإنتاجية، بعد أن كان أجداده يستخرجون الرزق بأظافرهم من بطن الحجر، معتبراً أن هذا الإرث لا يعالج بغير قدوة وفكر ورؤية واستمرارية.

Ad

الطرف الأضعف هو الأول دائماً في قائمة "من المسؤول؟"، ورغم أن السؤال السابق ينتهي بالمسؤول، فإن الواقع يقول إن صانع المشكلة غالباً ما يعيش في نعيم الحساب الأحول، لا أحد يذكره، ولو بإشارة عابرة، في متواليات "التحلطم اليومية"، بعد كل مشكلة تحصل هنا أو مصيبة تحدث هناك.

لست من الذين يخوضون في قضايا مرئية مشهودة يراها كل الناس ويبدو فيها الفاعل مكشوفاً، فقط لأن ذلك الفاعل يسهل انتقاده، الزحمة اليومية قضية مشهودة، تهالك البنية التحتية، الأمن، النظافة، البطالة، جليب الشيوخ وما استنسخ منها، عديمو الجنسية، كل ما سبق وزيادة، قضايا مرئية تُحمَّل بسهولة فوق ظهر الوافد أو عديم الجنسية أو الكويتي "طايح الحظ"، فقط لأن انتقادهم لا يكلف أي شيء.

التحليلات السطحية المشغولة بخيوط "شفنا" و"يقولون" ليس أسهل منها، ولكن الخوض في العميق هو الأصعب، الزحمة أهلكتنا ليس فقط من كثرة السيارات ولكن ممن "يرش" رخص القيادة على كل من هبّ ودبّ وبطلب من بعض من يصيحون من خنقة الزحمة، تريدون تعديل التركيبة السكانية أو التخلص من نصف العمالة الوافدة خلال سنة أو أقل؟ أهلاً وسهلاً، ولكن ماذا عن حظوة المتنفذ القادر على سد فراغ المرحّلين خلال ثلاثة أشهر و"كأنك يا زيد ما غزيت"! هنا تكمن العلة التي لا "يهوس" عليها الكثيرون.

أحد الوزراء السابقين، لماذا لا أقول اسمه؟ هو السيد عبدالله الطويل قال لي، في جلسة مصارحة، إن البنية التحتية في الكويت جيدة، وهناك جهود تبذل لتحسينها، لكن تدهورها ناجم عن حجم الضغط الهائل الذي يفوق قدرتها على التحمل وأداء وظيفتها بكفاءة، كلام منطقي، هنا نعود مجدداً إلى مشكلة التركيبة السكانية المختلة التي تعاني خللاً منهجياً بين بوابات الدخول وبوابات الخروج وعدم ترحيل من انتهت إقامتهم.

هناك من يربط مباشرة، وبحبل متين، بين الرشوة والبطالة والجريمة وبين العمالة الوافدة، وكأن الطرف الثاني في تلك المعادلة يخلو دوماً من العنصر الكويتي، هناك من يُجيبك بكل عقلانية بأن مصير الحياة الكريمة لأي إنسان مظلم حتماً، وعندما تحدثه عن الحقوق الإنسانية لعشرات الآلاف من البشر، وأن حرمانهم منها سيدفعهم دفعاً نحو عالم الجريمة يرد عليك بسهولة: السجون مفتوحة!

الحلول الكبيرة صعبة التنفيذ في أولها لهول ما تراكم عبر الزمن من سلبيات مثل الإرث الفكري لمجتمع انقلب على العمل والإنتاجية، بعد أن كان أجداده يستخرجون الرزق بأظافرهم من بطن الحجر، هذا الإرث لا يعالج بغير وجود قدوة وفكر ورؤية واستمرارية، وغير ذلك سنظل ندور في نفس الدائرة، نرقع في النتائج ونهمل الأسباب ونرحّلها على أكتاف الطرف الأضعف في المعادلة.