سوف يخيب أمل أولئك الذين يبحثون عن نهاية لأجواء الإثارة في وضع الاقتصاد الأميركي، والتحديث الذي شهده سوق العمل في ذلك البلد (وهو الأخير قبل انعقاد اجتماع مجلس الاحتياط الفدرالي في 17 الجاري) لم يطرح الكثير من الوضوح إزاء فرص زيادة وشيكة في معدلات الفائدة. وقد شدد مسؤولو مجلس الاحتياط الفدرالي طوال شهور على أن قرارهم المتعلق بموعد زيادة الفائدة سوف يتوقف على المعلومات الضرورية، ولكن مع عدم صدور مزيد من المعلومات الرئيسية قبل ذلك الاجتماع تظل الحصيلة مجرد توقعات يلفها الغموض.
وقد أضاف أرباب العمل 173000 وظيفة في أغسطس، وهو رقم يقل عن المتوسط البالغ 247000 في السنة الماضية، ولكنه يكفي لخفض معدلات البطالة من 5.3 في المئة الى 5.1 في المئة، وقد وصل معدل البطالة الآن إلى المستوى الذي يعتبره مجلس الاحتياط الفدرالي طبيعياً، أي 5 في المئة الى 5.2 في المئة، وإذا هبط بقدر أكبر يتوقع مجلس الاحتياط الفدرالي حدوث تسارع في نمو الأجور ومعدلات التضخم، ونتيجة لذلك سوف يجادل صقور المجلس في اجتماع سبتمبر بأن الوقت حان لرفع معدلات الفائدة.ولكن ماذا إذا تبين خطأ تلك التوقعات؟ هنا يمكن التحدث عن مصدرين رئيسيين للشك، الأول هو تقديرات مجلس الاحتياط الفدرالي حول توازن البطالة. ويقول الباحثان في المجلس أندرو فيغورا وديفيد راتنر إن السبب وراء هبوط معدلات البطالة يرجع الى ضعف قوة المساومة من جانب العمال، وقد هبطت حصة العمل من الدخل (شريحة الناتج المحلي الاجمالي التي تذهب إلى العمال بدلاً من المستثمرين) من حوالي 70 في المئة بشكل وسطي خلال 1947 – 2001 إلى 63 في المئة خلال 2010 – 2014، ويقول العديد من الخبراء إن هذا يعكس، بين أشياء اخرى، عولمة تبدد قوة المساومة من جانب العمال.وإذا تراجعت قوة المساومة لدى العمال فإن البطالة يمكن أن تنخفض بقدر أكبر مما كان يعتقد وتحول دون تحقيق تسارع في نمو الأجور، وفي حقيقة الأمر توجد مؤشرات على تصاعد وشيك في نمو الأجور، كما أن مكاسب عمل الساعة ارتفعت بنسبة 2.2 في المئة عن السنة الماضية ولكنها ليست كافية لدعم التضخم عند 2 في المئة عندما يتحقق نمو الانتاجية – حتى عندما نأخذ في الاعتبار الوتيرة الضعيفة الراهنة – ويعتبر نمو الأجور تضخمياً عندما يتجاوز نمو الإنتاجية فقط ويفضي إلى زيادة تكلفة صنع السلع.التركيز على معلومات سوق العملالمصدر الثاني– الأكثر عمقاً – للشك هو ما إذا كان مجلس الاحتياط الفدرالي على حق في التركيز على معلومات سوق العمل، وكان ذلك النموذج قد بالغ في ضغوط التضخم في أعقاب الأزمة المالية العالمية، عندما ارتفعت معدلات البطالة. ويتوقع مجلس الاحتياط اليوم حدوث تراجع في ضغوط التضخم ونمو قوي في الأجور، كما أن فكرة فيليبس التي تربط بين التضخم والبطالة هي مؤشر لا يمكن التعويل عليه في رسم السياسة.وتوفر توقعات التضخم إجراء آخر حول المستقبل، إذ تشير الفجوة بين عوائد الأسهم المحمية من التضخم وبين سندات الخزينة الى أن التضخم سيهبط عن هدف الـ 2 في المئة الذي حدده مجلس الاحتياط الفدرالي خلال السنوات الخمس المقبلة، ويتعين أن يمنح ذلك فرصة كبيرة لمحددي معدلات الفائدة لدراسة مسألة تشديد السياسة النقدية.وأخيراً هناك الشك العالمي وتقلبات السوق، ثم إن تفويض مجلس الاحتياط الفدرالي يقضي برعاية الاقتصاد الأميركي فقط، والذي يتعين أن يصمد في وجه هبوط أسعار الأسهم، ولكن هزات السوق كانت قوية بما يكفي لتعزيز مطالبة الصقور برفع معدلات الفائدة، وهو ما يظهر القلق الواسع حول تأثير رفع معدلات الفائدة، ولن يساعد الشك في مسألة التوقيت هذا الجانب بينما يستمر القلق والترقب.
مقالات
اقتصاد الولايات المتحدة وغموض آلية البنك المركزي
12-09-2015