«التمييز» في حكم بارز: رفض الدولة إعطاء التراخيص لفتح محال يعفي المستأجرين من سداد الأجرة
رفضت دعوى المالك وألزمته برد الإيجارات للمستأجر لعدم أحقيته بها
أكدت محكمة التمييز في حكم بارز لها أن حصول المالك على الأجرة يكون بعد انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، وإذا مازالت المنفعة أو اختلت سقطت الأجرة ولا يستحقها المالك.
قالت المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار يونس الياسين، إن «عدم انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة لعدم ترخيصها من الدولة، ولعدم الحصول على الترخيص اللازم لها، لا يعطي للمالك الحق في الحصول على مقابل الانتفاع».وألزمت «التمييز» المالك برد ما تسلمه من المستأجر بواقع ثلاثة آلاف دينار كويتي، وبرفض الدعوى المقامة منه ضد المستأجر، لعدم انتفاعه أساساً بالعين المؤجرة، ولعدم ترخيصها من قبل الدولة، وفي ما يلي نص حيثيات حكم المحكمة البارز:تتحصل وقائع القضية في الطعن الذي أقامه الطاعن «المستأجر» بطلب الحكم بإلغاء الحكم الصادر بإخلائه من العين المبينة بصحيفة الدعوى وعقد الإيجار، وإلزامه بأن يؤدي الى المطعون ضد المالك مبلغا قدره 1050 د.ك، وما يستجد بواقع 350 ديناراً شهرياً.وقال الطاعن «المستأجر» في صحيفة طعنه أمام محكمة التمييز، إنه بموجب عقد ايجار عام 2009 استأجر محلاً لقاء أجرة شهرية قدرها 350 ديناراً، وامتنع عن سدادها دون مبرر، ورفع دعوى مقابلة بطلب عارض بندب خبير لتقدير الأضرار المادية التي حاقت به نتيجة عدم انتفاعه بالمحل موضوع النزاع، وما تكبده من نفقات لتجهيزه.دعوى أصليةوحكمت محكمة أول درجة بإخلاء الطعن المستأجر من العين المؤجرة وإلزامه برد المبالغ المتأخرة، وتم تأييد حكم محكمة أول درجة أمام محكمة الاستئناف فطعن المستأجر على الحكم الصادر أمام محكمة التمييز.وقالت «التمييز» في حيثيات حكمها إن «الطعن اقيم على ثلاثة أسباب: ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول، إن العين المؤجرة في حال لا تصلح معها لأن تفي بما اعدت من منفعة وفق ما اتفق عليه بالعقد لعدم وجود ترخيص من البلدية لاستغلال المحل في نشاط صالون حلاقة، لكونه واقعا بالقسائم المخصصة للنشاط الحرفي، وهو ما حال بينه وبين الانتفاع بالعين المؤجرة، ومن ثم فإن مطالبته بالأجرة في غير محله، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى بإلزامه بأداء الأجرة رغم عدم انتفاعه بالعين المؤجرة، واعتبر طلبه العارض دفاعاً في الدعوى الأصلية، فإنه يكون معيباً بما يستوجب تمييزه».وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها ان «هذا النعي في أساسه سديد، ذلك انه من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن النص في المادة 581 من القانون المدني على أنه (إذا ترتب على عمل صدر من السلطة العامة في حدود القانون نقص كبير في انتفاع المستأجر جاز له أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة، ما لم يكن عمل السلطة لسبب يعزى إليه... وكل من سبق ما لم يقض الاتفاق بغيره) مؤداه».وتابعت «وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذات القانون- أن الأعمال الصادرة من السلطات العامة ومثلها القرارات الصادرة من جهة الإدارة، والتي يترتب عليها حرمان المستأجر من انتفاعه بالمأجور أو الإخلال بالانتفاع به، تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي لا يكون المؤجر ملتزماً بضمانها، ولكنه يتحمل تبعتها فيكون المستأجر تبعاً لجسامة الإخلال بالانتفاع ان يطلب فسخ الإيجار وإنقاص الأجرة، ولكن بشرط الا يكون عمل السلطة ناجماً عن عمل يعزى إلى المستأجر، وأن يكون هناك نقص كبير بالانتفاع، وكل هذا ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على غيره».وأضافت أنه من المقرر أن الأجرة تكون مقابل الانتفاع بالمأجور، وتستحق باستيفاء المنفعة أو بإمكان استيفائها، فإن زالت المنفعة أو اختلت سقطت الأجرة أو انقضت. وتابعت المحكمة قائلة «لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة المختصة رفضت إصدار ترخيص للمحل موضوع الدعوى، وأن الطاعن لم ينتفع بالعين المؤجرة أو يتمكن من مزاولة نشاطه (صالون حلاقة رجالي)، إذ إن الثابت من كتاب الهيئة العامة للصناعة ان الحرف الصناعية المصنفة والمسموح بمنطقة غرب أبوفطيرة الكائن بها عين التداعي لا تتضمن نشاط صالون حلاقة، ومن ثم فلا يحق مطالبته بالأجرة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن بأداء الأجرة رغم عدم انتفاعه بالعين المؤجرة لسبب لا يعزى إليه فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والقصور في التسبيب بما يوجب تمييزه جزئياً في خصوص ما قضى به من إلزام الطاعن بأداء الأجرة».استخلاص الحقيقةوأوضحت المحكمة في حكمها، و»حيث إن موضوع الاستئناف -في حدود ما تم تمييزه من الحكم المطعون فيه- صالح للفصل فيه، ولما كان من المقرر أن تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وتقدير ما يقدم فيها من أدلة واستخلاص الحقيقة منها من سلطة محكمة الموضوع بغير معقب عليها في ما تحصله متى كان استخلاصها سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق، وأن الأجرة تكون مقابل الانتفاع بالمأجور». وأضافت «وكان الثابت من تقرير الخبير المودع أمام محكمة أول درجة، ان نشاط صالون حلاقة ليس ضمن الأنشطة المسموح بها في منطقة غرب أبوفطيرة الكائن بها عين النزاع، وأن جميع الأنشطة المسموح بها هي الأنشطة الحرفية فقط، مما مفاده أن المستأنف ضدها لم تقم بتنفيذ التزامها بتسليم المستأنف المحل المأجور تسليماً صحيحاً، وفي حالة صالحة الانتفاع بها، لاسيما أن المستأنف لا يستطيع مخالفة النظم الحكومية ومباشرة نشاطه في المحل بصفة طبيعية الا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة، والتي رفضت الترخيص بذلك النشاط لمغايرته للنشاط المصرح به، مما يجعله عائقاً يحول دون انتفاع المستأنف بالمحل في الغرض الذي أجر من أجله». وتابعت «ولما كان هذا العائق لا يعزى الى المستأنف، فإنه لا يجوز إلزامه بأداء الأجرة، واذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر وقضى بإلزام المستأنف بأداء الأجرة فإنه يتعين إلغاؤه في ما قضى به من إلزام المستأنف بأداء الأجرة».رد الأجرة المسددةوبينت المحكمة في حكمها «وحيث انه عن طلب المستأنف إلزام المستأنف ضده المستأجر برد قيمة الأجرة المسددة منه عند التعاقد والبالغ مقدرها 3150 دينارا، فلما كان الثابت من تقرير الخبير المودع أمام محكمة أول درجة ان المستأنف قام بسداد مبلغ 3150 دينارا قيمة الأجرة المستحقة، وذلك بموجب إيصال توريد نقدي لخزينة المحكمة، وكانت المحكمة قد انتهت إلى عدم التزامه بأداء الأجرة، فإنه يحق له استرداد هذا المبلغ، وهو ما تقضي المحكمة به».وقالت «وحيث انه عن طلب المستأنف الختامي بالتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت به نتيجة عدم انتفاعه بالمحل موضوع النزاع، وما تكبده من نفقات لتجهيزه، فإنه لما كان الثابت من البند الأول بالفقرة الرابعة من العقد موضوع الدعوى أن المستأنف بوصفه مستأجراً قد عاين العين المؤجرة موضوع ذلك العقد، ووافق على استئجارها بحالتها الراهنة، وقرر بصلاحياتها للانتفاع بما أعدت من أجله للغرض الذي استأجرها من أجله، وان الاوراق والعقد قد خلا كل منهما مما يفيد التزام المستأنف ضدها باستخراج التراخيص اللازمة لمزاولة المستأنف لنشاطه في العين المؤجرة، ويكون استحالة تنفيذ عقد الإيجار محل التداعي مرجعه سبب أجنبي عن المؤجرة (المستأنف ضدها) منذ بدأ الإيجار على النحو آنف البيان دون أن تخل الأخيرة بالتزاماتها، وبالتالي تنتفي مسؤوليتها عن أي أضرار لحقت المستأنف من جراء ذلك فلا يكون هناك محل للتعويض».مصروفات مقابل التشطيباتأما بخصوص طلب المستأنف قيمة ما تكبده من مصروفات مقابل التشطيبات والتجهيزات التي أحدثها بمحل التداعي، فإن استباقه إلى هذه الأعمال والإنفاق عليها- والتي لا جدوى من الإقدام عليها- قبل التأكد من مكنة مزاولة النشاط المتفق عليه مع المؤجرة المستأنف ضدها، والذي من اجله تمت تلك التجهيزات، وذلك عن طريق الحصول على ترخيص من الجهة المختصة في هذا الشأن، وهو أمر ملزم به المستأنف –المستأجر– ابتداء بمقتضى أحكام القانون رقم 32 لسنة 1969 بشأن تنظيم تراخيص المحلات التجارية، يجعل المستأنف المسؤول دون المؤجرة عن تلك النفقات، بما يضحى طلبه المتقدم على غير ذي أساس خليقاً برفضه، وتكتفي المحكمة بالإشارة لذلك في الأسباب دون النص عليها في المنطوق.فلهذه الأسباب حكمت المحكمة أولا: قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتمييز الحكم المطعون فيه جزئياً في خصوص ما قضى به من إلزام الطاعن بأداء الأجرة، وألزمت المطعون ضده المصروفات و20 ديناراً مقابل أتعاب المحاماة، وفي موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف في ما قضى به من إلزام المستأنف بأداء الأجرة، وبرفض ذلك الطلب، وبإلزام المستأنف ضده بأن يؤدي للمستأنف مبلغاً مقداره 3150 دينارا قيمة ما سدده من أجرة.