الحراك الدبلوماسي العربي!
المنطقة العربية بحاجة اليوم إلى دبلوماسية فاعلة وإيجابية، فقد أُنهكت دولها وشعوبها تماماً، وشهدت خراباً قد لا يمكن جبره لسنوات طويلة قادمة، وأصبحت مرتعاً للتطرف والإرهاب والعنف، وتغلبت ثقافة الكراهية على حساب ثقافة الحوار والسلم الأهلي، واحتلت العسكرية والسلاح والنفقات على الحروب الأهلية وتمويلها دور التنمية والبناء.
سلسلة اللقاءات التي تشهدها العواصم العربية بعيد إطلاق المبادرة الروسية بشأن محاربة الإرهاب قد تعطي بصيصاً من الأمل لانفراجات سياسية، خصوصاً إذا كانت الرياض أحد أطراف هذه اللقاءات.اللقاء الأخير بين وزير الدفاع السعودي ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري يضاف إلى الحراك الدبلوماسي الجديد، ويأتي بعد سلسلة من الجولات التي قام بها الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو وأنقرة والقاهرة، وكذلك بعد إبرام الاتفاقية النووية بين إيران والمجتمع الدولي، ومن المحتمل أن يكون ذلك بداية لمرحلة سياسية جديدة في المنطقة العربية.
أما مفتاح الانفراج السياسي المأمول فيكمن في سورية بعدما فشلت كل المحاولات الدولية والإقليمية للإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث انهارات سورية ودُمرت تماماً بمدنها وقراها، وبينما صمد النظام السياسي طوال السنوات الأربع الماضية بدأت تتوالى الهزائم العسكرية على الجماعات المسلحة خصوصا الدينية منها. المنطقة العربية بحاجة اليوم إلى دبلوماسية فاعلة وإيجابية، فقد أُنهكت دولها وشعوبها تماماً، وشهدت خراباً قد لا يمكن جبره لسنوات طويلة قادمة، وأصبحت مرتعاً للتطرف والإرهاب والعنف، وتغلبت ثقافة الكراهية على حساب ثقافة الحوار والسلم الأهلي، واحتلت العسكرية والسلاح والنفقات على الحروب الأهلية وتمويلها دور التنمية والبناء وتطوير الخدمات العامة والبنى التحية وتلبية احتياجات الناس واحتضان المد الشبابي الجارف، وهذا كله ينذر بكوارث حقيقية إضافية إذا لم تتم معالجتها بأسرع وقت ممكن.تجربة المفاوضات بين إيران والدول الكبرى، وعلى مدى عامين متتالين، أثبتت أنه بالحوار والتباحث والاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى قواسم مشتركة تحقق المصلحة العامة يمكن أن تسجل نجاحات عملية، وتفتح آفاقاً جديدة لمزيد من التفاهم وتبديل العنف والتهديد بالمشاريع المشتركة وذات الطابع المدني التي تستفيد منها الحكومات والشعوب على حد سواء.مما يشجع هذا الحراك الدبلوماسي الجديد مسعى العديد من الدول العربية إلى طيّ الصفحة السورية، حيث أعادت الكويت وتونس والإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، مع وجود مظلة دولية لهذه المصالحة تتبناها موسكو، وتغير اللهجة العدائية المتمثلة بإزاحة النظام السوري لدى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية وأخيراً تركيا والسعودية، حيث ساهم إرهاب «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في توفير محور اتفاق مهم جداً بين هذه الدول والحكومة السورية، يمكن الانطلاق منه ومناقشة العديد من الملفات الساخنة بما في ذلك معالم مستقبل العالم العربي سياسياً واستراتيجياً.عالم السياسة مجنون بطبعه وحافل بالمؤامرات والنزاعات والمصالح المتقاطعة، ولكنه في الوقت نفسه عالم يمكن تطويعه بشكل غريب، حيث يلتقي الخصوم ويتبدل الأعداء إلى أصدقاء إذا قرر أصحاب القرار ذلك، وتلحقهم بالطبع الشعوب، لا سيما النخب السياسية والثقافية، حيث تتغير الأقلام والتحليلات والتبريرات واللغة الإعلامية فجأة، وهذا أمر طبيعي لأن الناس على دين ملوكهم!