ليس كل غارب يغرب بلا رجعة، وليس كل "شارق" تدوم له النعمة، التاريخ يقول ذلك، نعم الأحداث والناس يتغيرون لكن جوهر النفس البشرية بقي على حاله يردع بالإرادة الذاتية أو بالسيف إذا لزم الأمر، حب المال والبنين وشهوة الاستحواذ هل وجد لهما الأطباء دواء؟ ألم يعجز علماء النفس عن فرملة طمع الإنسان بالمزيد بعد نيل مراده؟

Ad

أي زمان توقفت فيه الحروب، وأي بقعة خلصت فيها النفوس، هي دروس سودتها الكتب ولا يقرؤها غير القلة وأصحاب الصوت الخفيض، يحذرون الناس من هوّة قريبة فيسرعون إليها بدلاً من التراجع، يرسمون لذوي السلطان معالم الفناء القادم فيلقون بهم طعاماً للأسود، يزرعون الأمل في خرائب اليأس لتزهر من جديد، ويهيلون بذور اليأس فوق رأس المستكبر حتى لا يدخل جنته وهو ظالم لنفسه وللآخرين.

يفرح المفتون بأفلاكه في لحظة وكأنه ملكَ الأرض وما عليها ومعها آلة الزمان، وغدا يصحو فلا يحيط به غير صمت أصنامه ويسأل أين الجمع؟ فيأتيه الرد: انفضوا من حولك، ابحث عنهم في ديوان خاسر الأمس و"تلثم" وهذه نصيحة أخيرة ستلقى نديمك يزحف نحو "عمه" الجديد القديم، وأزلامك تلعن أيامك، وسترى بأم عينيك كيف يمسح مهرجو بلاطك بلاط غريمك بأوراق قصائد مديحك التالفة.

أقول أذن المفتون تصغر وذاكرته تضعف، قيل له ابذر الخير فأبى، واعدل مشيتك فاختال، واقصر لسانك فانهمر، وانثر الحسنة فقدم السيئة، أيها السادة: التاريخ يجيبنا عن أسئلة المستقبل، فلا تنحازوا لغير الحق ولا تنفروا سوى من الباطل وادعوا الله أن يخرجنا من بين أيدي خارقي أسفل السفينة آمنين.