نظّم المجلس الأعلى للثقافة المصري، احتفالية حاشدة للمبدع إدوار الخراط (1926 ـ 2015)، تناولت مسيرته في الرواية والشعر والقصة والترجمة.

Ad

 أدار اللقاء الكاتب يوسف القعيد، بحضور الأمين العام للمجلس د. أمل الصبان، والأديب الكبير يوسف الشاروني، ونجل الراحل د. إيهاب الخراط، ولفيف من الأدباء والمثقفين وأصدقاء الكاتب الراحل.  

لفت الأديب يوسف القعيد إلى أن احتفالية المجلس الأعلى للثقافة المصري تستحضر إدوار الخراط، مبدعاً وإنساناً، وتواصله مع أجيال من المثقفين، ودعمه للكتابات الجديدة، وإسهامه في تحرير مجلة «غاليري 68} واكتشاف المواهب الأدبية، وإضاءة رحلة عطاء تجاوزت سبعين عاما.  

 من جهتها، قالت د. أمـــل الصبان إن الخراط صاحب مشوار إبداعي طويل، ويعتبره أبناء جيله العقل المدبر للرواية، وشكلت أعماله وجدان محبيه وتلامذته، وأثرت المكتبة العربية بتنوع لافت بين القصة والرواية والشعر والمقال النقدي والترجمة.  

ألمحت الصبان إلى زخم كتابات الخراط بعبق موطنه الإسكندرية، وحضور مدينته الممتد عبر نصوصه القصصية والروائية، بالإضافة إلى انخراطه في الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو 1952، وتأريخ تلك السنوات في روايته المهمة { طريق النسر}.

في كلمته، تحدث د. إيهاب الخراط عن الجانب الإنساني في حياة والده، وميله إلى انضباط صارم، وطقوس حياتية منتظمة، وعشقه للموسيقى الكلاسيكية، ومكوثه بالساعات في غرفة مكتبه، وعدم خروجه كثيراً للقاء أصدقائه، ونذر حياته للإبداع، لا سيما القصة القصيرة والرواية.

أشار نجل الكاتب الراحل إلى اللحظات الأخيرة في حياة والده، وطاقته الروحية الهادرة، والمقاومة لوهن الجسد، وحضور مسيرته منذ مولده في جبال صعيد مصر، وحياته في الإسكندرية التي عشقها وكتب عنها، وإبداعه الممتد جيلاً بعد آخر، وبرحيله نستحضر سؤاله: {هل انقطع هنا طريق النسر أم أنه ما زال ممتداً بلا نهاية؟}.

«حيطان عالية»

في هذا السياق، حرص الأديب الكبير يوسف الشاروني (92 عاماً) على حضور احتفالية صديقه ورفيق دربه، وقال: {فارقني الخراط في محطتي قبل الأخيرة، وهو ابن الإسكندرية المبدع الذي قادنا إلى حيطانه العالية (مجموعته القصصية)، واصطحبنا عبر نصوصه المتفردة في رحلة إلى داخل الإنسان بما فيها من غرائز وانفعالات وعاطفة، وترجم إلى العربية 29 كتاباً في القصة القصيرة والرواية والفلسفة وعلم الاجتماع}.  

كذلك، تحدث د. أنور مغيث مدير مركز الترجمة المصري، عن علاقته بالخراط، واعتبره زعيم الأدباء المتمردين، وتحفيز المواهب الشابة، وإلقاء الضوء عليها، فضلاً عن كونه مترجماً كبيراً، واتسمت أعماله بعمق فلسفي وشاعرية، ونوع من الغموض يستدعي التأويل، وحرية التلقي لقارئه.  

قال  الناقد د. حسين حمودة: {قرأت أعمال إدوار الخراط، كما قرأها آخرون، وعرفته عن قرب، وأنصت إلى أسئلته التي كثيراً ما كانت تشبه الإجابات، وطالعت كتاباته منذ {ساعات الكبرياء} وانتصاره لأحلام الفرد المهدرة، ورفع قيمة الذات المغدورة، حتى آخر ما كتب، وقبل الصمت الأخير}.

ألمح حمودة إلى قناعة الخراط بمرتبة التساؤل، بما يماثل احتفاءه باليقين ذاته، ووضع في أعماله الروح والهواجس الإنسانية، والنجاح والخيبات، والحب، والحلم، والتوق للتواصل مع الكون الممتد.  

المغامرة والتجريب

قال الروائي منتصر القفاش: «إن الخراط أول من تكلم عن الكتابة عبر النوعية، وعن القصة القصيرة عند الكاتب يحيى الطاهر عبد الله والأجيال التي تلته، ومن المبدعين القلائل الذين تلازمت لديهم الكتابة الأدبية والنقدية، وضرورة أن يكون المبدع قادراً على بلورة رؤى نقدية لأعمال الآخرين.

أوضح القفاش أن الخراط كان ذا عقل رحب، واستوعب المغامرة والتجريب في إبداع الأجيال المتلاحقة، وكتب الكثير من الدراسات النقدية، منها كتابه «القصة في السبعينات» و{ما وراء الواقع» وله توصيفات عدة مثل «نزوات روائية»، وسعى إلى طرح خطاب نقدي مغاير، وتمازج السرد النثري والشعر.  

كذلك قالت الكاتبة د. الحلواني: «إدوار الخراط اعتبر وطنه «الحافة الهاشة القلقة بين الحياة والعدم»، وهو الوطن بالنسبة إلي ولأجيال عدة انتمت إليه، فالخراط هو مصر الحرية والفن والتنوع والتعددية والتجريب الشرس والتسامح».

أشارت الحلواني: «تعلمت منه الاحتفاء بالفن الرفيع والتجريب والتجديد، وأعتبر كتاباته هي الآتي والمستقبل، وقد ترك لنا ذخيرة ومستودعاً غنياً مليئاً بما حلم به، وحلمت به أجيال من  الحرية والكرامة والجمال والإبداع.  

وفي كلمة الروائي إبراهيم عبد المجيد، وألقتها نيابةً عنه الشاعرة اعتماد عبده: «كان غرامي بكتابة إدوار الخراط مبكراً، وأنا بعد في الإسكندرية في الستينيات، وأرسلت إليه خطابين ظل يحتفظ بهما إلى وقت طويل، وفي أحدهما قصة في ما أذكر، وكان هذا قبل أن تطأ قدميّ عتبات القاهرة في أوائل السبعينيات».

قال عبد المجيد: «سافرنا كثيراً إلى فرنسا معاً، وكان هو دائماً دليلي إلى المتاحف والأماكن الشهيرة، رغم أن فارق العمر بيننا عشرون عاماً، ومشينا كثيراً على نهر السين، ووقفنا معاً في متحف الأورساي واللوفر، وأمام كنيسة نوتردام في باريس، وكان دائم البسمة والضحك في تعليقه على ما يقال}.

شاركت في اللقاء كوكبة من المثقفين والأدباء، منهم الناقدة د. سيزا قاسم، ود. عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، ود. أحمد درويش، والناقد شعبان يوسف، والكاتبة د. عزة بدر، ود. أماني فؤاد، وألقى الشاعر ماجد يوسف قصيدة بالعامية المصرية عن الراحل إدوار الخراط.