هل ما زال «رجل العواطف يمشي على الحافة» أم تطوّر  مساره؟

Ad

من زاوية الطرافة يبدو هذا السؤال «دمه خفيف»، لأنه يفترض أن بطل قصة «رجل العواطف يمشي على الحافة» هو شخص له وجود محسوس، وهو يمشي على الحافة، ومطلوب معرفة أخباره الأخيرة، ومن زاوية أخرى يمكن أن يكون السؤال أكثر خبثاً، وهو موجه لي باعتباري أنا رجل العواطف الذي يمشي على الحافة، حسناً على أي الأحوال بطل القصة، كما جاء فيها، لم يخرج منها لا هرباً ولا برغبته، فهو لا يزال في الحال نفسه، وبالتالي لا يزال يمشي على الحافة.

شاهدنا لك في الفترة الأخيرة أعمالا صدرت عن دار {آفاق} في ثمانية مجلدات، بعد فترة طويلة من الانقطاع، ما السبب؟

الكتابة بالنسبة إلي عمل يومي، أصحو كل يوم مبكراً، وأجلس إلى مكتبي لساعات، وحتى في الفترات التي كنت أمارس فيها عملا يومياً في هذه الصحيفة أو تلك المجلة، لكنني في السنوات التي سبقت ثورتي يناير والثلاثين من  يونيو، كانت نفسي {مسدودة} من النشر، هذا ما حدث وربما يكون انشغالي بالوضع العام وما كنت أراه من فساد مستشر وصعود الجماعات الإرهابية، هو السبب في التوقف عن النشر، لكن الخلاص من {الإخوان المسلمين} رسم في نفسي، أملا بأن مصر تسير في طريق خال من أخطر جماعة إرهابية في العالم، ومهما كانت الخطوات متعثرة الآن، إلا أنني أرى أن ثمة مستقبلا للثقافة المصرية، وأن الناس بدأوا ينظرون إلى الثقافة الجادة بعين الاعتبار، وهذا ما جعلني أتحمس لنشر هذه الأعمال التي كان بعضها جاهزا للنشر منذ سنوات، وبعضها الآخر  كان قد نفد من سنوات، وفي الطريق عدد آخر من الأعمال التي ستصدر تباعاً.

 لكل مبدع رهانه الخاص، فعلى أي شيء يراهن عبده جبير؟

أراهن على الحقائق الثابتة التي تخص كل العالم والبشر، أراهن مثلا على أن العالم يمضي في طريق التطور إلى الأمام، مهما بدا خلف الحروب والنزاعات أنه ماض في طريق الهلاك، كما أن الوعي الإنساني بالإبداع الحقيقي في تزايد، على الرغم من الصورة الآنية الغائمة، أراهن على أن الفن الحقيقي هو المنجز المبهر والذي سيبقى على مر الزمن ليقول إن الفن هو أمل الإنسان على هذه الأرض، لكننا لا نزال في المرحلة الوسط ما بين الذهاب والوصول، لذلك تظل الأمور غائمة.

 لك دور مهم في إنشاء بعض المجلات الثقافية في مصر وبعض البلدان العربية، فما هي رؤيتك للصحافة الثقافية حاليا على تنوع وسائط نشرها بين الورقي والإلكتروني؟

الصورة العامة في هذه الفترة تؤكد أن  ثمة المزيد والمزيد من المنابر الورقية والإلكترونية إلى درجة مزعجة،  لا سيما أن هذه المنابر الجديدة ينشرها أي شخص أو مجموعة تمتلك المال، وكثير من هذه تصيبني بالغثيان. لكن  ثمة منابر كلاسيكية لا تزال تقدم ثقافة رفيعة، وأنا أضع في المقدمة ملحقي صحيفتي «السفير» و{النهار» اللبنانيتين وبالقرب منهما ملاحق تصدر عن «الخليج» و{البيان» الإمارتيتين، أما «الأهرام» و{الأخبار» فلا تستمران في مستوى واحد، إنما تعتمدان على المسؤول عن الثقافة وعلى قدراته، أما الصفحات الثقافية في الصحف الخاصة المصرية فلا عطاء مستمراً ومميزاً فيها، أعود إلى المواقع الإلكترونية فأنا أتابع بشغف «جهة الشعر»، و{الجسد» و{المحيط»، كما لا بد أن أذكر مجلة «أمكنة» السكندرية، فأنا معجب بها وأواظب على اقتنائها وقراءتها، وأخيراً ظهرت مجلتا «إبداع» وعالم الكتب» المصريتان في مستوى راق، وأرجو أن يحفظهما الله من العين وتستمرا.

ربطتك علاقة قوية بأديب نوبل نجيب محفوظ الذي أصدرت عنه العام الماضي كتاب {بفضل كل الخيال}، فماذا عن تأثيره عليك ككاتب؟

لم أتعلم منه شيئاً في كتابة الرواية وإن كنت وجدانياً تأثرت بأعماله من خلال الشخصية الوطنية وحزب «الوفد»، لكني تعلمت الكتابة لأني من مدرسة مختلفة عنه تماماً تكاد تكون النقيض، من همنغواي، فوكنر، ترومن كابوكي، فرجينيا وولف، تولستوي الذي أعتبره أستاذي ومعلمي الأكبر. أما بالنسبة إلى نجيب محفوظ، فلم أشعر عند قراءته أني أتعلم التكنيك أو الشكل وقضايا اللغة النوعية، كونه لم يهتم بالتكنيك من الأساس، وبالتالي لا يكون معلماً للروائيين، لكن مواقفه وآراءه التاريخية كان لها أثر كبير عليّ، وهو من دفعني إلى قراءة عبد الرحمن الرافعي الذي أرخ للثورة العرابية.

أصدرت روايات  عدة ، فكيف تنظر إلى الرواية اليوم مع الإقبال المتزايد عليها؟

تشبه هذه الفترة فترات كثيرة مرت بمصر، أذكر منها فترة الستينيات وحدوث هوجة في الكتابة ازدحمت بها الصحف والمجلات، ولكن الأمر انتهى بأسماء قليلة من الكتاب الذين استطاعوا الصمود والبقاء، وقد حدث الأمر نفسه لجيلي في السبعينيات، واللافت أن كثرة الإنتاج حالياً تنصب على كتابة الرواية ليس في مصر فحسب، ولكن في العالم العربي إيضاً، أعتقد أن هذه الموجة الكبيرة من الكتابات سوف تنتهي بتصفية أسماء معينة وموضوعات محددة، ورغم  عدم استطاعتي متابعة جميع ما يُكتب، إلا أنني أرى كثيراً من الموهوبين  قدموا عوالم مختلفة سواء في عالم البادية أو النوبة والسواحل، هذه العوالم التي لم يتطرق إليها جيلنا، لأن معظمه من المدين، كذلك لديهم جرأة في كسر التابوه، وهذا ربما يكون مفيداً إذا سار في الطريق الصحيح.

هل ترى أنه قد تم الاحتفاء بتجربتك الإبداعية بما يليق بها؟

لا أكتب كي تحتفي بي وزارة الثقافة أو أي مؤسسات أخرى توزع الجوائز على هواها، ولكن أكتب لأن الحياة تستحق أن تُعاش، وأن الإبداع هو قلب الحياة، كما أن ثمة أغبياء ورديئي الذوق. ثمة أناس لهم ذائقة راقية ويتمتعون بوعي فائق وإلى هؤلاء أتجه، ومن حسن الحظ أنهم موجودون ويتكاثرون مع الأيام، لذا أعتبر أن قرائي الواعين هم هدفي، كما أن كمّاً من الباحثين والباحثات أعانوني على أن أستمر بكل قوتي، لأن رسائلهم الجامعية وكتبهم النقدية تتزايد، وأحمد الله أن رسائل ودراسات نقدية كثيرة قد أخذت عملي بجدية، وهذا أهم احتفاء يمكن أن يحصل عليه أي كاتب.