لأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة رائعة بلسان أمير العاشقين قيس بن الملوح، يخاطب فيها "جبل التوباد" ذلك المكان الذي شهد أروع سنوات عمره برفقة بنت عمه "ليلى العامرية" جاء فيها:

Ad

جبل التوباد حيَّاك الحيَّا

 وسقى الله صبانا ورعى

فيك ناغينا الهوى في مهدهِ

 ورضعناه فكُنْتَ المُرْضِعا

وَحَدَوْنا الشَّمسَ في مغربها

 وبَكَرْنا فَسَبَقْنا المَطْلِعا

وعلى سَفْحِكَ عِشْنا زَمَنا

ورعينا غَنَمَ الأهلِ معا

إلى أن يصل إلى البيت الذي يقول فيه:

 قد يهون العمر إلا ساعة

وتهون الأرض إلا موضعا

 لكم شدتني هذه الكلمات الرائعة الصادرة من قلب فاض عشقاً وهوى، ليس لمحبوبته فقط بل لذلك المكان الذي استنشق هواه، ودرجت أقدامه على ثراه، وامتزج عشقه لمحبوبته مع عشقه لوطنه.

 أعادت هذه الكلمات الرائعة لحظات من العمر لا تنسى، تلك اللحظات عندما بدأت طائرة الخطوط الجوية الكويتية بالهبوط التدريجي نحو مطار الكويت الغالية بعد تحريرها من احتلال دام أكثر من سبعة أشهر تعادل الدهر كله، عانى فيها أهل الكويت كل أنواع القهر والتدمير.

 من خلال نوافذ الطائرة شاهد الركاب آبار النفط التي أشعلتها يد الغدر والخيانة، فأخذ البعض يكبّر ويهلل، وانهمرت الدموع عشقا وهوى لهذا الوطن، وما إن هبطت الطائرة على أرض الكويت حتى سجد الجميع حمداً وشكراً لله على نصره المبين على عدو حاول أن يسرق النور من سمائها، والعزة والكرامة من نفوس أهلها، فتغمسه الشيطان وزين له إبليس سوء عمله، ولكن الله خذله، ففرت تلك الجيوش تجر أذيال الخزي والعار، وتحولت حصى هذه الأرض الطيبة إلى حجارة من سجيل تحرق المعتدي، وتحيل آلته العسكرية إلى أكوام من السكراب.

 أعادت هذه الكلمات الرائعة إلى الذهن ذلك اللقاء الذي تم في سكن رئيس البعثة الدبلوماسية في الجزائر مع بعض الإخوة من القيادات الفلسطينية المقيمة هناك، وأسهب أحد الإخوة في شرح الأحداث وقوة الجيش والقيادة العراقية، مما يستدعي من القيادة والشعب الكويتي التأقلم مع الأوضاع، فالكويت حسب اعتقاده لن تعود كما كانت، واستشهد بما حدث في فلسطين عندما هاجمت العصابات الصهيونية القرى والمدن الفلسطينية، وقامت بنشر الرعب والفزع، فنزح أهلها إلى مدن الضفة على أمل العودة إلى مدنهم بعد أيام أو أسابيع، فاستمر النزوح إلى يومنا هذا.

بينت للأخ الكريم أننا أهل الكويت مثل "حمام البيت" لا نستطيع أن نعيش بعيدا عنها، فنحن نؤمن واثقين إما أن نعيش في الكويت أحرارا رافعي الرؤوس موفوري الكرامة أو نموت على أديمها وندفن في ثراها، فالكويت لا يدانيها في الدنيا موضع، إضافة إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين الحدثين، ففي فلسطين العدو أجنبي لا يرتبط مع أهلها بصلة، أما في الكويت فالعدو جار لنا نرتبط معه بالدين والعروبة والجيرة.

أعادت هذه الكلمات الرائعة لأمير الشعراء ذكرى ذلك اللقاء مع "الشيخ علي بالحاج" الشخص الثاني في منظمة جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، فبعد أن أسهبت بشرح الأوضاع في الكويت المحتلة من سلب ونهب واعتداء على الأعراض، قال إنه لن ينخدع بهذه الأكاذيب التي تروجها دول الخليج وحليفتها أميركا ضد العراق والقائد المؤمن، مؤكداً أنه سيقوم بتجنيد مليون مجاهد للذهاب للدفاع عن العراق ونظامه، لكن الله خذله لأنه ناصر الظالم ضد المظلوم، فكانت كلمة الحق هي العليا، وعادت الكويت حرة أبية رغم تكالب الأعداء، وإنها رسالة لمن يعيها.

 وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.