أصبحت الأزمة المالية المتصاعدة سبباً إضافياً إلى جانب الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح، لتشجيع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على استعادة دور قوي، وتحجيم شركائه ومنافسيه، طبقاً لاتهام يسود الأوساط الشيعية خصوصاً.

Ad

فقد تسلم العبادي منصبه وهو ضعيف مضطر إلى القبول بكل الشروط من الائتلاف النيابي الواسع الذي دعمه، لكنه بدأ شيئاً فشيئاً يحصل على مبررات تجعله يردد ما معناه أن «عليكم أن تحرروني من شروطكم كي أعمل بحرية وأقوم بإرضاء الشعب الغاضب».

وفي ذروة الاحتجاجات الشعبية في أغسطس الماضي، كان على جميع خصومه أن يصمتوا ولا يعترضوا، لأن أي وقوف في وجه «مبادرات الإصلاح» كان يعني «الغضب الشعبي والسحل من قبل الثورة». لكن الصيف انتهى وإمدادات الكهرباء تحسنت، وانشغل العراقيون جزئياً بطقوس عاشوراء الحسينية وتدخل روسيا في المنطقة، ما سمح لخصوم العبادي بإثارة موضوع جدي، «هو لا يستشيرنا منذ شهور، ويتصرف بتفرد، ويتجاهل التزاماته. التحالفات ستتغير سريعاً، والأيام حبلى»، على حد قول مصدر رفيع في حديث لـ«الجريدة».

ولأن الحكومة بدأت تعلن إفلاسها التدريجي، وعجزها عن إبقاء المعاشات والامتيازات الأخرى كما هي مع انهيار النفط، فإن المنافسين للعبادي يحاولون استثمار ذلك ضده، إلا أنه يعتقد أن الأزمة المالية قد تسمح له بإحراج خصومه وترشيق الوزارات والمديريات وطرد ممثلي الأحزاب في المواقع المهمة. ويبدو أن هذه السيناريوهات عقدت الموقف داخل ما يعرف بـ»معتدلي الشيعة» أو حلفاء المرجع الديني علي السيستاني، الداعم الأساسي للعبادي.

والمرجع نفسه ليس مطمئناً بما يكفي لفريق العبادي، الذي يتكون من قياديي حزب «الدعوة» شبيهاً بفريق سلفه نوري المالكي. ويتوقع هؤلاء الشيعة أن يبدأ العبادي بقضم صلاحياتهم ويظهر كـ«مالكي جديد»، وقد حاولوا فعلياً استغلال حقيقة أن إصلاحات العبادي راحت تثير السخرية، حتى أصبح الشارع يتندر بعبارته الأثيرة «نحن ماضون بالإصلاحات». لكن ما خياراتهم في مواجهته؟ يقول المهددون بالتغيير، إن استبدال العبادي أمر ممكن، إذ لم يكن يقف معه أثناء تسلم المنصب قبل سنة، سوى كتلتي المواطن (عمار الحكيم) والأحرار (مقتدى الصدر)، و15 شخصاً فقط من كتلة المالكي.

وكانت هذه الكتل تعتقد أن العبادي سيشعر بالحاجة إلى دعم سياسي ونيابي وشعبي، وحينئذ فإن كتلتي الصدر والحكيم ستشكلان «رقماً حكومياً ونيابياً وشعبياً لا يمكن تجاوزه في البيت الشيعي». لكن العبادي تصرف بالعكس، وتعامل مع صمت خصومه كـ«تفويض مطلق يوطد سلطة فريقه».

ويستبعد مراقبون محليون إمكانية حصول تغيير دراماتيكي ضد العبادي، لأن أوراق الضغط من طرف «معتدلي الشيعة» على العبادي بدت ضعيفة في أكثر من مناسبة، وهو لا يصغي لنصح ولا مشورة، لأن المناخ السياسي في صالحه، وصعوبة التوافق على بديل له في ظل انهيار التوافق الكردي الداخلي، واضطراب البيت السّني، والانقسام غير المسبوق شيعياً. كما يردد المراقبون أن هناك اتجاهاً دولياً سائداً، يفيد بأن المساس بالعبادي الآن «سيفسح المجال لجناح المالكي والفصائل المتشددة» الموالية لإيران، وهذا سيكون عاملاً مؤثراً في كل السجال الداخلي.