لا شيء يصيب الحب في مقتل كالتعوّد، إنه العدو رقم واحد للمشاعر الدافئة والحميمية بين حبيبين!

Ad

هو تلك الكف التي تمسح بغفلة منّا ما خطته يد الحب على سبورة الروح، وما نقشته بحناء الحنان على أسوار الحنايا، وما كتبته بماء الجمال على مرآة ذاكرتنا، وما رسمته من لوحات زاهية الألوان علّقناها في الغرف السرية لقلوبنا.

التعوّد هو ذلك المخاتل الكبير الذي يحيك عصابة العين لقلوبنا كلما غفونا قليلاً، يحيكها خيطاً خيطاً بشكل دؤوب وتأنٍّ يحسده عليه صبر أيوب، فإذا ما صحونا يوماً وجَدْنا قلوبنا معصوبة العينين على حين غرّة لا ترى، فقد غافلها التعوّد وهي نائمة ووضع العصابة على عينيها بعد أن اكتمل نسجها، فلا تعود القلوب قادرة على قراءة الكلمات النديّة التي كتبت على سبّورة الروح، ولا رؤية حناء الحنان على سور الحنايا، ولا ما كُتب على مرآة الذاكرة من لحظات كانت هي زينة العمر، ولا تلك اللوحات الملوّنة التي رُسمت بريشة النبض وخبأناها ككنزٍ ثمين في غرف القلب!

التعوّد هو التعويذة التي تفك سحر الحب، وإنما سحر الحب الدهشة، الدهشة إحدى صنائع الحب وأجمل معجزاته، هي ماؤه الذي يبقيه حيّاً، هي التي تجعل من التفاصيل العادية واليومية حكاية أغنية خالدة في الحب ومتكأ قمر لا يغيب في الليالي الحالكة السواد، وهي التي تضيف إلى مرارة المشاعر أحياناً قطعة السكّر، إبقاء الدهشة حيّة في الحب هي كلمة السرّ لبقاء مصابيح القلب مضاءةً على مصراعيها!

التعوّد هو من يغلق أبواب النور في وجه تلك المصابيح، ويسرق منها ضوءها، ويكدّس في عيونها الظلام، وهو من يقرأ على الدهشة تعاويذه الشيطانية حتى يُبطل سحرها!

وليس المقصود بالتعوّد اعتياد كلٍّ من الحبيبين للآخر، ولا اعتياد كلٍّ منهما القرب من الآخر، وإنما الاعتياد الأخطر هو أن يعتاد المحب مشاعره نحو من يحب، كأن يعتاد المحب لهفته، وشغفه، وخوفه على من يحب، وإحساسه بلمسة من يحب حين تمر على جزء من جسده، ويعتاد ذلك الشعور الذي يشبه مسّ البرق في جسد الظلام عندما يحتضن من يحب، أو يعتاد لذة الحديث معه، أو ذلك الخدر الذي يشبه نعاس طفل حين يمسح حبيبه على رأسه، أو أن يعتاد شوقه في الغياب، وفرحته في الحضور، ذلك هو الاعتياد القاتل من الداخل، فعندما يعتاد الحبيب مشاعره يحوّل هذا الاعتياد كل تلك المشاعر إلى رماد بارد لا يدفئ راحة القلب.

إن معظم الذين عاشوا قصص حب عديدة واختبروا تجارب متنوعة فيه، وقعوا في فخ اعتياد مشاعرهم، وربما أصبحوا "معلّمين" في الحب وأساتذة في مدرسته ولكنهم فقدوا القدرة على الدهشة معه والإحساس بمتعته!

من أراد أن يبقي مشاعره على قيد الحب، فعليه ألاّ يفقد دهشته الأولى في الحب، أما كيف يفعل ذلك، فأظن أن الحل سهل، نحن ليس بإمكاننا خداع أنفسنا وادّعاء أن ما نقوم به من فعل أو شعور مع من نحب وكأننا نختبره أول مرّة في حياتنا إن لم يكن كذلك، لذا لا يمكننا اصطناع الدهشة، ولكن لإبقاء الشعور بما نفعل حيّاً بإمكاننا أن نفعل ذات الشيء مع نحب في كل مرّة وكأنها آخر مرّة، وللعلم هي قد تكون كذلك فعلاً.