في صباح يوم الأربعاء القادم الموافق 18 نوفمبر 2015 سيعبر معرض الكويت الدولي للكتاب إلى دورته الأربعين. وكم يبدو الرقم دالاً في اجتياز معرض الكويت الذي انطلق عام 1975، لمراحل البدايات والالتفاتات الأولى. فحين انطلق معرض الكويت قبل أربعة عقود، شكّل حينئذ ظاهرة ثقافية كبيرة ولافتة لا لكتّاب وفناني ومثقفي الكويت فحسب، بل لعموم شعوب منطقة الخليج العربي، وعموم الناشرين العرب.

Ad

في احتفالية معرض الكويت للكتاب باكتمال قلادة عقده الرابع، بات يخوض منافسة شديدة ومكشوفة مع معارض الكتب العربية عامة، ومعارض كتب دول مجلس التعاون خاصة. ويبدو أن هذه المنافسة مالت بشكل واضح إلى معارض الخليج في السنوات القليلة الماضية. وإذا كان الكاتب والمثقف الكويتي، يفرح بأي جهد ثقافي خليجي عربي، فإنه يفرح أيضاً بأن يبقى للكويت تميّزها وقدرتها على أخذ زمام المبادرة، لا على مستوى تنظيم المعرض، وعدد دور النشر، والفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض فقط، لكن على مستوى قدرة معرض الكتاب على خلق حالةٍ ثقافية، حالة وصلٍ وتبادل فكري وثقافي يشترك فيها المبدع مع المتلقي. حالة تقدّم لمختلف شرائح المجتمع وعياً بأهمية الكتاب وأهمية القراءة، بوصفها بوابة المعرفة الأولى في كل زمان ومكان.

معرض الكتاب في الكويت، ومنذ عقد من الزمن، صار يأتي ملتبساً وقضية الرقابة، يحلّ بوجهٍ ملطخٍ بأصباغ الرقابة الفاقعة والمنفّرة. الكويت وطن الدستور وسقف الحريات العالي والديمقراطية، تقع في كل سنة في مأزق رقابة المعرض، ويتوارى فعل المعرض الجميل باستقطاب مئات الآلاف من الزائرين، وتقديم وجوه شبابية جديدة في مختلف فروع الأدب، وتفاعل جمهور المعرض مع الفعاليات الثقافية الأهم، كل هذا الجهد يتوارى خلف ضجة عالية تصاحب رواية ممنوعة، أو حادثة إقدام رقيب على سحب كتاب من دار نشر بعد عرضه.

في العام الماضي، دار نقاشٌ فكري وثقافي واجتماعي كبير حول منع كتب كثيرة من بينها روايات للدكتور سليمان الشطي، وعبدالوهاب الحمادي، وسعود السنعوسي، ومؤكد أن منع هذه الروايات لم يحلّ دون وصول القارئ إليها، ووضعها في دائرة الضوء وسعي القارئ إليها. ولقد شارك الكثير من الروائيين والكتّاب والإعلاميين على صفحات الجرائد في إبداء آرائهم الصريحة حيال المنع. وكان واضحاً أن الجميع دان المنع ووقف ضد الرقابة. الرقابة المتسلطة، الرقابة التي تمنع كتاباً بسبب كلمة، الرقابة التي تعمل وفق معايير مرفوضة لأنها ما عادت تلتفت إلى روح العصر، ولأنها تتجاهل قدرة الكتاب السحرية العجيبة على الوصول إلى أي قارئ حيثما كان.

إن سمعة الكويت بتاريخها الثقافي والفني المشرّف، وسمعة مبدعي الكويت وثقافة الكويت ومعرض كتاب الكويت يستحقون معاملة مختلفة من قبل إدارة الرقابة. لا أحد مع المس بالذات الإلهية أو الذات الأميرية أو التعدي على الأديان أو بث الفرقة والكراهية بين شرائح المجتمع. لكن، أن تُمنع رواية لأن مشهداً أشار إلى جسد امرأة أو فقرة ذكرت حقيقة اجتماعية مختبئة فذاك ما يجب الكف عنه، لأنه ما عاد يمسّ الكاتب وروايته بقدر ما عاد يسيء إلى الكويت الوطن والحرية والثقافة، وبقدر ما أصبح يصرخ بسلوك أبعد ما يكون عن زمن ثورة المعلومات ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، فأي رقابة يمكن أن تصمد في وجه الفضاء الإنساني المفتوح؟

    إنني ككاتب، وفي جميع المناصب التي تبوّأتها، أقف موقفاً مبدئياً جلياً وواضحاً، ضد أي منعٍ يمس أي كتاب، لأني مقتنعٌ أن أي منعٍ يقعُ على أي كتاب إنما يقع على الساحة الإبداعية الكويتية برمتها. لذا فمنع كتابٍ للشطي أو الحمادي أو السنعوسي وأخيراً بثينة العيسى هو منع يمسّ أرواحنا كمبدعين على الساحة الكويتية، ويبعث فيها شيئاً من المرارة، صارخاً بصوتٍ عالٍ: لا للرقابة المؤذية.