القناة لمصر وليست مصر للقناة

Ad

كانت مصر منذ أن أذن سعيد باشا والي مصر لفرديناند دليسبس بحفر القناة في 25/ 4/ 1859 الجائزة الكبرى التي قدمها دليسبس وشركته إلى العالم، فقد حفرت هذه القناة بالسخرة، حيث مات في عمليات الحفر من الجوع ما يزيد على مئة وعشرين ألف فلاح مصري، وكانت قناة السويس وبالاً على اقتصاد مصر لخدمة الاقتصاد العالمي، فقد كانت تجارة آسيا وتجارة الغرب تمران عبر الأراضي المصرية، فأصبحتا تمران عبر القناة، ولا تحصل مصر من عوائد المرور إلا على 15% تنازل عنها الخديوي.

كما كانت مصر تملك 44% من أسهم القناة، اشترتها بريطانيا من مصر بمبلغ أربعة ملايين جنيه وهو ثمن بخس، فقد تآمر على مصر المغامر دليسبس مع ملوك أوروبا والمغامرين من أمثاله من أساطين المال ودهاقين السياسة، لإغراق مصر في الديون، وللحصول على امتياز القناة بلا مقابل، وبذلك دفع المصريون أرواح أبنائهم في حفر القناة، بل في حفر ترعة الإسماعيلية، لتزود موظفي شركة قناة السويس والموانئ التي سترسو عليها السفن بالمياه العذبة، أما من حفروا القناة فقد مات أغلبهم من شدة الحرارة والعطش والجوع والأمراض.

كما استخدم الإنكليز القناة ليعبرها جيشهم لاحتلال مصر، بعد هزيمته أمام جيش عرابي، وكان دليسبس قد تعهد للثوار في ثورة عرابي بألا يعبر جندي واحد إنكليزي من القناة، فجرّت القناة على مصر احتلالاً دام اثنين وسبعين عاماً.

وكانت قناة السويس، وتأميمها على يد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذريعة التي تذرع بها العدوان الثلاثي على مصر، لإرغامها على الخضوع لهيئة المنتفعين بالقناة التي شكلتها الدول الغربية لإدارة القناة، بعد استخدام الاتحاد السوفياتي حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، على مشروع قرار إنشاء هذه الهيئة... أي أن مصر كانت للقناة، ولم تكن القناة لمصر إلى أن أعلن الرئيس جمال تأميمها، فأصبحت القناة لمصر.

ناصر والسادات والسيسي

وتأتي القناة الجديدة لترسخ هذا المفهوم وهو أن القناة لمصر، فقد تم حفر القناة الجديدة بسواعد مصرية وتمويل مصري كامل، وهو إنجاز عظيم وفي زمن قياسي، حيث كان المهندسون والعمال المصريون يسابقون الزمن لتحقيق هذا المشروع القومي في الموعد الذي حدده القائد، هذا الإنجاز لم يكن في حاجة إلا إلى إشارة البدء التي طال انتظارها بعد رحيل عبدالناصر ورحيل السادات، فافتقد الشعب القائد والزعيم ناصر بما حققه لشعب مصر من مشروع قوي عملاق وهو بناء السد العالي، والسادات بنصر أكتوبر العظيم الذي عبرت فيه قواته المسلحة قناة السويس وحطمت خط بارليف، الخط المنيع الذي شهدت المعاهد والأكاديميات العسكرية في العالم كله أنه أقوى وأخطر الموانع التي شهدها العالم في كل الحروب، فهو خط يسبقه مانع مائي كانت فوهات «مواسير» النابالم على ضفته الغربية التي يحتلها العدو على أهبة الاستعداد لإفراغ ما فيها من نابالم في مياه السويس، ليصبح هذا المانع كتلة مشتعلة بالنيران، تحرق كل من تسوّل له نفسه عبور هذا المانع، فضلا عن الساتر الترابي الذي يقف خلف هذا المانع، ولكنها إرادة الشعب المصري وتصميمه ممثلة في قواته المسلحة التي خرجت من رحم هذا الشعب تهتف بحياة مصر.

وافتقد الشعب القائد في حقبة مبارك بالرغم من طول المدة التي حكم فيها مصر، والتي جاوزت مدة حكم الرئيسين الراحلين مجتمعة، لأن ظهيره في الحكم لم يكن شعب مصر، بل بطانة فاسدة أثرت على حساب الشعب، وضمنت للمغامرين من رجال الأعمال نصيبا كبيرا في الحكم ليتزاوج المال بالسلطة، فضاع من الشعب الحلم والقائد والزعيم.

وقامت ثورة 25 يناير لتعيد للشعب الحلم بعيش وحرية وعدالة اجتماعية، فاختطفها في غياب القائد والزعيم فصيل أراد أن يعيد مصر إلى ظلام القرون الوسطى، فقامت ثورة التصحيح في 30 يونيو 2013 لينتخب الشعب رئيسا جديدا يقود مسيرة الشعب لغد أفضل ومستقبل مشرق، والذي فاجأ الشعب بمشروعه العملاق القومي الأول بعد شهرين من توليه سدة الحكم، فتكاتف الشعب حول إنجاز هذا المشروع تمويلاً وتنفيذاً.

6 أغسطس وتحقيق الحلم

وجاء 6 أغسطس الماضي ليكون الموعد الذي حدده الرئيس عبدالفتاح السيسي، لافتتاح القناة الجديدة، وهي ليست قناة بطول القناة القديمة بل هي تفريعة لها، وتم حفرها بطول 35 كيلو متراً إلا أنها أكثر اتساعا من القناة القديمة بنحو 40 متراً، ويضاف إليه عملية تعميق بطول 37 كيلو متراً في منطقة البحيرات لتمكين السفن ذات الغاطس الكبير من المرور في القناة في الاتجاهين، وهذا سيمكن قافلة السفن القادمة من الشمال من قطع القناة بلا توقف، والأمر نفسه بالنسبة إلى قافلة الجنوب بدلا من الانتظار الحالي مدة تصل إلى ثماني ساعات، وهذا السير بلا توقف سيجعل زمن الرحلة في القناة نحو 10 ساعات في المتوسط بدلا من نحو 18 ساعة، كما أن هذا الأمر سيؤدي تلقائيا إلى قدرة القناة على استيعاب عدد ضخم من السفن المارة فيها، وإذا كان عدد السفن التي تمر بالقناة حاليا يبلغ نحو 18 ألف سفينة سنوياً فإن القناة الجديدة ستمكّن مصر من تمرير أكثر من ضعف هذا العدد، كما ستزداد قدرة القناة بعد القناة الجديدة على تمرير السفن ذات الحمولات العملاقة التي ستتضاعف بما يتيح تحقيق زيادة كبيرة في إيرادات المرور وفي حصة القناة من التجارة العالمية.

الفرحة الكبرى للشعب

عمّت الفرحة أرجاء مصر، فخرج الناس مهللين لهذا الإنجاز العظيم في زمن قياسي أدهش العالم كله، وجاءت عناوين الصحف المصرية والإقليمية والعالمية لتعبر عن فرحة الشعب المصري، ننقل بعضها بالقدر الذي يتسع له المقال الصحافي فيما يلي:

المصريون يصنعون تاريخا

حكاية شعب إن أراد فعل

قناة السويس الجديدة جسر لبناء الأمل وشاهد على قوة إرادة المصريين

غصن الزيتون ومفتاح الحياة من مصر للعالم

مصر تنير الشرق مرة أخرى

مشاهد الفرح والعزة تعمّ مصر

6 أغسطس 1945 المرارة والألم

وفي الوقت الذي كان فيه شعب مصر يحتفل بافتتاح قناة السويس الجديدة شريان الحياة والرخاء للعالم كله، والأفراح تعم ربوع مصر كلها كان هناك في اليابان إحياء لذكرى أليمة على كل إنسان، حيث يصادف 6 أغسطس إلقاء قاذفة أميركية قنبلة ذرية على هيروشيما في اليابان.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.