تمر اليوم الذكرى الخامسة عشرة لوفاة السياسي والصحافي والبرلماني سامي المنيس، حيث انتقل إلى جوار ربه في مثل هذا اليوم من عام 2000م، ورغم مرور كل ذلك الزمن ما زلت أذكر حالة الارتباك التي أصابتني ذلك المساء في محاولة التوفيق بين مشاعري المتضاربة من عدم صحة الخبر والحزن على فقد إنسان عزيز ومعلم كبير، وبين ضرورة أن أؤدي واجبي كصحافي أوكلت له صحيفته تغطية ذلك الخبر المهم الذي سينشر على الصفحة الأولى لأن الفقيد نائب في برلمان 1999م ووفاته تعني خلو مقعده وضرورة إجراء انتخابات تكميلية.  

Ad

أمسكت بالقلم كأني أمارس العمل الصحافي لأول مرة، حينذاك كان للقلم في عالم الصحافة الورقية هيبة وقيمة، والصحافي المتمرس هو الذي يستطيع أن يحرر الخبر ويسلمه قطعة واحدة صحيحة البدن دون أخطاء إملائية أو نحوية، خصوصا إذا اقتربت مواعيد تسليم الصفحة الأولى الى المطبعة، يومها نسيت كل ما تعلمته، أكتب السطر الأول وعندما أصل إلى اسم سامي تنزل دمعة ساخنة تخالط حبر قلمي، ورقة بعد ورقة، ومدير تحرير جريدة السياسة الأستاذ شوكت الحكيم ينتظرني بحنان أبوي على نار المطبعة، لكنه كان يعرف ما بي، ويعرف أن المسألة لن تطول.

كتبت الخبر وأرفقت معه سيرة مختصرة للفقيد، وكل التصريحات الرسمية التي تصدر في مثل هذه الأحوال، ولم أفعل كما فعل غيري- ممن سلط الله عليهم بشرور أعمالهم من أزالهم عن ظهر هذه الدنيا فجعلهم أثراً بعد عين– لأتحدث عن صورة الانتخابات القادمة في الدائرة العاشرة (العديلية، الجابرية، السرة) والعزاء في سامي المنيس لم يفرغ بعد، لم أقلل من قيمة الحدث كما فعلت إحدى الصحف لتحشره في صندوق غير مرئي داخل صفحة داخلية، وكأن الأحقاد لا تموت أو يخفت توهجها بعد الموت، نعم أنا منحاز وغير حيادي مع رجل ما زالت الناس تحلف برفعة أخلاقه وسمو تواضعه ونظافة يده، ولكن ألسنا نعيش في الكويت التي من أخلاق أهلها وضع اعتبار لأسرة الميت ومحبيه لبضعة أيام؟ أليس ذاك الذي مات ممثلاً للأمة بأسرها، وخبر وفاته لا يحجبه خبر صغير أو يعلي من شأنه ملحق كامل عنه، ولكن يصغر من حاول تصغيره؟

وبقدر الحزن على فقدانك يا عم سامي أدركنا اليوم لطف الله فيك، إذ اختارك أن تكون بجواره قبل أن ترى ما حلّ بنا من تراجع شامل، وقبل أن تشعر بما هو أقسى من الألم، وهو العجز عن إنقاذ وطنك من الانهيار، أن تتكلم ولا أحد يسمعك، أن تقدم الحل فيعمل بعكسه، أن تتقلب القلوب والأبصار وتصبح غريبا وسط محيط غريب.

يااااه خمسة عشر عاما انقضت، كبرنا وشبنا فيها، يا عم سامي تلاشت فيها بعض الذكريات، لم يتبق لنا سوى أرشيف تغطيات صحافية نعود إليه بين الحين والآخر، وصورة حية من الذاكرة لم تتلف حتى الآن لضحكة صافية تخرج من قلبك الكبير، وعبارة شهيرة تنم عن التواضع هي: «قد أكون مخطئاً».

ستبقى في الذاكرة يا سامي المنيس، وسنسير على دربك ما حيينا، ونحن على العهد باقون، معارضة إيجابية وموالاة للحق.