رحلة الأسد... ما لها وما عليها!
أجمل تعليق على زيارة بشار الأسد (الانفرادية) إلى موسكو هو تعليق رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، الذي قال بتهكم واضح: "لو أن الرئيس السوري يبقى في روسيا، لكان أراح الشعب السوري"، ويقيناً لكان أراح المنطقة كلها التي انتهت بعد نحو خمسة أعوام من انفجار الأزمة السورية إلى برميل بارود كبير، وإلى ساحة حرب باردة جديدة وصراع معسكرات ومخيمات لاجئين ومهجرين... ويبدو أن القادم سيكون أعظم!ولعل ما تجب الإشارة إليه، ونحن بصدد الحديث عن هذه الزيارة الغريبة العجيبة، هو أن البيت الأبيض أصدر تصريحاً قال فيه: "إن الاستقبال الحافل للأسد في موسكو يناقض زعم روسيا بدعمها للمرحلة الانتقالية"، وحقيقة أن هذا الاستنتاج تنقصه الدقة، وأيضاً ربما تنقصه الموضوعية، فالمشاهد والصور التي تناقلتها شاشات الفضائيات العربية والعالمية أظهرت أن هذا الاستقبال كان فاتراً وباهتاً، وأن "المُسْتقْبَل" كان مرتبكاً، وكان يوزع الابتسامات البلهاء يميناً وشمالاً من دون أي سبب، بينما كان مُستقبلَهُ مُتجهِّماً وصارماً، وكأنه على وشك خوض معركة "حامية الوطيس"!
وبالطبع فإن "لعبة" المفاوضات المقبلة تقتضي أن "تضخ" موسكو قبل وبعد هذا اللقاء، الذي لا يمكن اعتباره تاريخياً إلا إذا كان آخر لقاء "رئاسي" لبشار الأسد، سيلاً من البيانات والتصريحات التصعيدية التي تُظهر الرئيس فلاديمير بوتين و"ضيفه" في وضعية تمكنهما من إملاء شروطهما "التعجيزية"، وإلى حد أن أحد البيانات التي صدرت عن الكرملين حول هذه الزيارة أشار إلى أن الرئيس الروسي وزميله السوري: قد ناقشا الاستمرار بالضربات الجوية الروسية! والملاحظ أن بشار الأسد نسي أو تناسى أنه كان وصف: "الحل السياسي" بالكذبة الكبرى، وأنه كان قد أعلن أنه يرفض هذا الحل، وقال من دون أن يرف له جفن: "إن كل عملية عسكرية لابد من أن تفضي إلى حل سياسي"، والمعروف أن العمليات العسكرية لم تتوقف في سورية منذ عام 2011، والمعروف أيضاً أن الرقعة التي بقيت لسيطرة نظامه لم تعد تقتصر إلا على نحو عشرين في المئة من المساحة الكلية لـ "القطر العربي السوري"!المهم أن السؤال المتداول الآن هو: هل أصبحت الأزمة أو المشكلة أو الحرب السورية على بداية طريق الحل الذي هو بالتأكيد سيكون طويلاً ومتعرجاً، وسيصطدم بـ "مطبات" كثيرة، أم أن الروس ماضون في تثبيت الأسد ونظامه، وأن كل هذا الذي يفعلونه وما يقومون به من اتصالات ولقاءات هو مجرد مناورات وألاعيب بقي بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف يمارسانها على مدى الأعوام الخمسة الماضية؟!هناك من يرى، ويبدو أن هذا التقدير فيه كثير من الصحة، أن روسيا تواجه أوضاعاً اقتصادية غاية في السوء، وأن حلفها حلف مفلسين، إذ إنها مفلسة وإيران مفلسة، و"سورية الأسد" مفلسة، وحزب الله مفلس وأن الطرف العراقي التابع للولي الفقيه مفلس، ولذلك فإنها تخشى الغرق في مستنقع قد لا تستطيع الخروج منه فترة طويلة، ولذلك أيضاً فإنها مضطرة لاستعجال حل يأخذ بعين الاعتبار اقتراحها القديم الذي يتحدث عن إجراء انتخابات قريبة لـ "مجلس الشعب"، يتلوها تشكيل حكومة "وحدة وطنية"! مع بقاء الرئيس الحالي حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة... وبالطبع فإن هذا مرفوض من المعارضة ومن الدول التي كانت أعلنت وبقيت تعلن أنه لا بقاء لبشار الأسد، لا في حاضر هذا البلد ولا في مستقبله.