لا يكاد يمر يوم من دون أن تثبت أحداثه أن اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي يضرب الفساد كل جوانب الحياة فيه يتحركان في قضية الأزمة الرياضية الكويتية وفق نظام «تحت الطلب».

Ad

وها هو «فيفا» يؤكد أنه يكيل بمكيالين، وأن المبادئ التي يتمسك بها ويعاقب على إثرها بعض الاتحادات الأهلية، يغض البصر تماما عنها مع اتحادات أخرى، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه مؤسسة «هشة» لا تقوى إلا على المستضعفين أو من يضعفون أنفسهم عمدا أمامه فقط، بينما يتراجع للخلف سريعا حينما يتعامل معه البعض معاملة «الند للند» وليس شيء آخر.

مسؤولو الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يتمسكون كثيرا بمبدأ فصل الرياضة عن السياسة خرقوا أهم مبادئهم وأساؤوا لأنفسهم بشكل لافت للنظر، وذلك حينما تراجعوا عن قرارهم السابق إقامة مواجهة فلسطين والسعودية ضمن منافسات الجولة الأولى من التصفيات الآسيوية المزدوجة المؤهلة لنهائيات كأس العالم من رام الله إلى دولة محايدة، بناء على اتصالات بين شخصيات سياسية رفيعة المستوى من الجانبين السعودي والفلسطيني، وضغوط هائلة على الاتحاد الفلسطيني وتحركات من بعض الأطراف العربية التي تعمل داخل منظومة «الفيفا»، الأمر الذي دفعه إلى نقل مباراة فلسطين أمام منتخب ماليزيا إلى دولة محايدة أيضا حتى يغطي على الصورة الحقيقية للتدخل السياسي.

مخارج ومبررات واهية

ومما لا شك فيه، لو اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم القرار من تلقاء نفسه لما لامه أحد، لكن المباراة تم نقلها من رام الله، بعد أن حسم اتصال معلن عنه بين ولي ولي العهد السعودي والرئيس الفلسطيني القرار الذي أدى إلى تراجع الاتحاد الفلسطيني عن موقفه بالإصرار على استضافة المباراة في ملعبه البيتي برام الله، على مرأى ومسمع من «فيفا» صاحب مبدأ لا لتدخل السياسة في شؤون الرياضة!

ومع الأسف الشديد، لم نسمع من مسؤولي «فيفا» رفضهم أو حتى استنكارهم وشجبهم لتدخل السياسة في شؤون الرياضة، بينما «فيفا» وقبل اللجنة الأولمبية الدولية وغيرهما من الهيئات الرياضية تهدد وتعلق نشاط الرياضة الكويتية، بسبب سعي الدولة لفرض رقابتها المالية التي تدعم بها الاتحادات والأندية وإقرارها لبعض مواد القانون التنظيمية للحركة الرياضية!

وما يؤكد على فساد «فيفا» هو ليس فقط تنفيذه للطلبات التي تأتي بضغوط سياسية وتدخلات حكومية من بعض الدول، بل بحثه في الوقت نفسه عن مخارج ومبررات كي لا يظهر ضعفه أمام بقية الاتحادات، حتى لو كانت هذه المبررات والمخارج واهية وغير مقنعة.

فمسؤولو الاتحاد الدولي أرجعوا سبب نقل المباراة إلى الحالة الأمنية في رام الله، ونسوا أو تناسوا أن المنتخب الإماراتي لعب في نفس الظروف دون أن يكلفوا أنفسهم عناء نقل المباراة من رام الله إلى دولة محايدة، على غرار ما فعلوه مع المنتخب السعودي.

«فيفا» لم يخرق أهم مبادئه فحسب بتدخل السياسة في الشأن الرياضي، وإنما خرق أهم مبادئ كرة القدم والرياضة، وهو الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، فالمنتخب الإماراتي خسر نقطتين أمام نظيره الفلسطيني على ملعب رام الله، بسبب ظروف يعلمها القاصي والداني تتمثل في أرضية الملعب السيئة وصغر مساحته، ووجود الجماهير على بعد خطوات قليلة من البساط الأخضر، وهو ما أثر بالسلب على مستوى الإماراتيين الذين فقدوا نقطتين غاليتين في صراعهم مع الأخضر على صدارة المجموعة!

الكيل بمكيالين

وتأكيدا على مبدأ الكيل بمكيالين الذي يتبعه الاتحاد الدولي لكرة القدم وكل الهيئات الرياضية الدولية والقارية، فإن مسؤولي المنتخب السعودي رفضوا وبكل روح وطنية عن حقهم بعدم دخول فلسطين بتأشيرة وموافقة إسرائيلية، وهو قرار يستحقون عليه التحية والاحترام والتقدير، خصوصا أن المملكة السعودية من الدول التي ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية، لكن الأمر غير العادي هو اتخاذ اللجنة الأولمبية الدولية قبل ايام قرارا باعتبار البطولة الآسيوية الثالثة عشرة للرماية التي تستضيفها الكويت حاليا غير مؤهلة لأولمبياد ريو دي جانيرو، بعد رفض الكويت منح تأشيرة للحكم الإسرائيلي ممثل الاتحاد الدولي للعبة.

وهنا السؤال المشروع لماذا عاقبت الأولمبية الدولية كل رماة آسيا، وغضت و»فيفا» البصر عن الاتحاد السعودي، رغم أن الواقعة متشابهة، وهي رفض التعامل مع إسرائيل!

ومن المؤكد أن موقف القيادة السياسية السعودية المسؤول تجاه رياضتها قد رسخ مبدأ عدم التطبيع من منطلق وطني وعربي، وعلى النقيض نجد أن من يصطلح عليهم بأنهم قادة الرياضة الكويتية تحركوا في الخارج بشكل مبطن يدل على الجبن لدفع اللجنة الأولمبية الدولية إلى معاقبة «الرماية» (مفخرة الرياضة الكويتية) بسيناريو مفتعل بطله «صهيوني»!

قد يقول قائل إن لكل مؤسسة رياضية أنظمتها الخاصة، وهذا أمر صحيح بكل تأكيد، لكن المؤكد أنها جميعاً ترفض بشكل قاطع ما يسمى جزافاً «التمييز العرقي»، كما أن «فيفا» قرر في 16 أكتوبر المنصرم تعليق نشاط الكرة الكويتية على المستوى الخارجي، بحجة عدم تماشي القوانين الوطنية مع الميثاق الأولمبي الدولي، على الرغم من اعتماده منذ عامين النظام الأساسي للاتحاد الكويتي، أي إنه عاقب الكرة الكويتية مساندة لقرار الأولمبية الدولية وليس بناء على لائحة المنظمة، ما يؤكد التواطؤ في القضية الكويتية مقابل التخاذل في قضايا الدول الأخرى!