استأنف الحجاج الجمعة في مكة المكرمة شعائر رمي الجمرات غداة حادث التدافع المفجع الذي أوقع أكثر من 700 قتيل، فيما تصاعدت الانتقادات الموجهة إلى السلطات السعودية، حول اسوأ الحوادث التي يشهدها موسم الحج منذ ربع قرن.

Ad

وعزت السلطات السعودية هذا الحادث إلى "عدم التزام" بعض الحجاج بالتعليمات.

وتأتي هذه الحادثة بعد أقل من أسبوعين على انهيار رافعة عملاقة في باحة المسجد الحرام في مكة ما أسفر عن مقتل 109 أشخاص في 11 سبتمبر.

واليوم الجمعة، تقاطر الحجاج لرمي الحصى على الجمرات الثلاث الكبرى والوسطى والصغرى غير أن حجم الحشود سجل تراجعاً غداة التدافع الذي وقع في أول أيام رمي الجمرات والذي أسفر عن 717 قتيلاً و863 جريحاً في أكبر فاجعة أثناء موسم الحج منذ 25 عاماً.

وتعهدت السلطات السعودية باجراء تحقيق "سريع وشفاف" في الحادث فيما تواجه انتقادات شديدة ولا سيما في ايران التي أعلنت مقتل 131 من حجاجها.

وأظهرت الصور التي نشرت على الانترنت جثثاً مكدسة أرضاً ومن حولها مقتنيات شخصية مبعثرة من من أحذية ومظلات يستخدمها الحجاج للوقاية من الشمس.

ووسط البلبلة، حاول عناصر أجهزة الإغاثة والأمن تنظيم نقل الجثث على حمالات، وبحسب الصور، فإن الحادث وقع على طريق أسفلتية تمر بين آلاف الخيم البيضاء التي تنصب سنوياً في منى لاستقبال الحجاج.

ولوصف المشهد، قال امينو ابوبكر مراسل وكالة فرانس برس النيجيري الذي كان يؤدي مناسك الحج، إنه "لم يكن هناك مجال للمناورة".

وقال أن حجاجاً مرافقين له أخبروه عن أطفال يلقون مصرعهم رغم جهود آبائهم لانقاذهم قرب منطقة الخيم.

وأضاف "لقد ألقوا بهم على السطوح، على سطوح الخيم لكن معظمهم لم ينجوا".

ووقع الحادث في منى، التي تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن مكة، خلال قيام الحجاج بشعيرة رمي الحصى على جمرة العقبة الكبرى التي ترمز إلى الشيطان.

وفي هذا الوقت أشار الدفاع المدني السعودي إلى أنه ما زال يحصي أعداد الضحايا، الذين بينهم أجانب.

وأعلنت ايران أن 131 حاجاً ايرانياً لقوا حتفهم في التدافع، متهمة السعودية بارتكاب أخطاء في ضمان أمن الحجاج تسببت بالتدافع.

وانتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي ما وصفه بـ "الاجراءات غير الملائمة" التي تسببت في حادث التدافع، مؤكداً على أن "على الحكومة السعودية أن تتحمل مسؤوليتها الكبرى في هذا الحادث المرير".

من جهتها، أشارت اسلام آباد إلى مصرع سبعة مواطنين باكستانيين.

وأعلن مفتي تركيا الكبير محمد غورميز أن 18 حاجاً مفقودون بينما ذكرت وزارة الخارجية الجزائرية أن ثلاثة حجاج جزائريين قتلوا في حادث التدافع.

كما أعلنت الهند أن 14 من مواطنيها لقوا حتفهم، فيما أشارت جاكارتا إلى مصرع ثلاثة اندونيسيين.

من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الهولندية أن بين الضحايا مواطنة تبلغ من العمر 62 عاماً.

وحمل الحجاج الذين كانوا متواجدين في مكان الحادث السلطات السعودية المسؤولية وأعربوا عن خوفهم من مواصلة المناسك.

ولكن أبوبكر أشار إلى تراجع عدد الحجاج مؤكداً على أن "الوضع الآن أكثر تنظيماً، هناك مزيد من التحكم عند المداخل".

وأكد العاهل السعودي الملك سلمان خلال استقباله المسؤولين عن تنظيم الحج على أنه ينتظر تسلم نتائج التحقيق في أسباب الحادث وأنه أمر "بمراجعة خطط" تنظيم الحج حتى يتمكن الحجاج من اجراء المناسك "بأمان".

وأوضح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي أن "الحادثة وقعت على طريق 204 نتيجة تعارض الحركة بين الحجاج المتجهين على الشارع 204 عند تقاطعه مع الشارع 223 وارتفاع في الكثافة مما أدى إلى تدافع".

وأضاف أن "ارتفاع درجة الحرارة والإعياء الذي كان عليه الحجاج نتيجة الجهد الذي بذلوه في المرحلة السابقة أسهما في سقوط عدد من الحجاج".

لكن وزير الصحة السعودي خالد الفالح نسب الحادث إلى "عدم التزام" بعض الحجاج بالتعليمات، وصرّح الفالح لقناة الإخبارية الرسمية "لو التزم الكل بالتعليمات لما حصلت مثل هذه الحوادث".

وقال شاهد سوداني كان في منى عند وقوع الحادث إنه الموسم الأقل تنظيماً مقارنة بثلاثة سبق له أن شارك فيها، وقال "كان الناس يعانون من العطش ويفقدون وعيهم وراح الحجاج يتعثرون فوق بعضهم البعض".

وأغلقت السلطات الطرق المؤدية إلى مكان الحادث الذي وقع عند تقاطع طريقين أعدا لتسهيل حركة الحجاج في وادي منى الذي يبعد بضعة كيلومترات عن مكة المكرمة.

وفي الخارج، قدم الأمين العام للأمم المتحدة تعازيه وكذلك واشنطن والمانيا وفرنسا ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك وتركيا.

وفي واشنطن، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي ند برايس أن الولايات المتحدة "تقدم خالص تعازيها لعائلات المئات من الحجاج الذين قتلوا وللمئات الذين جرحوا في حادث التدافع المؤلم".

وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه "صدم" بهذا النبأ بينما عبرت تركيا وفرنسا ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك عن تضامنهم مع الضحايا.

وأجرت السعودية في السنوات الأخيرة أعمالاً واسعة النطاق لتعديل البنى التحتية كي تسهل حركة الحشود وتجنب مآس مماثلة.

وخصصت المملكة أكثر من مئة ألف رجل أمن لحماية الحج هذه السنة، وقد شكلت قوات الأمن السعودية سلاسل بشرية على طول الطرق لتنظيم سير الحجاج فيما قام متطوعون على طول الطريق بتقديم صناديق الطعام وزجاجات الماء البارد للحجاج.

وبعد رمي الجمرات في آخر أيام الحج، يتوجه الحجاج إلى مكة المكرمة لطواف الوداع حول البيت العتيق، آخر شعائر الحاج قبيل سفرهم مباشرة.

ويحتفل بعيد الأضحى حوالى 1.5 مليار مسلم حول العالم.

وأفادت السلطات السعودية أن أكثر من 1.4 مليون أجنبي وفدوا إلى مكة لأداء مناسك الحج وحوالي 600 ألف من داخل المملكة.