تفوقت السينوغرافيا في عرض فرقة المسرح الكويتي «القلعة» بمهرجان الكويت المسرحي، وكانت جميلة ومبهرة وراقية جداً.

Ad

قدمت فرقة المسرح الكويتي العرض الخامس في المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت المسرحي الـ16، تحت عنوان "القلعة" من تأليف عبدالأمير شمخي وإخراج علي الحسيني.

ويعتمد عرض "القلعة"على ثيمة الثنائيات، الحياة والموت، والحب والكره، والقوة والضعف، والمقبرة والجنائن المعلقة، من خلال لقاء شخصين هما الأول والآخر اللذان يقومان برحلة تسودها الفواجع إلى مدينة لم يعد لها وجود، والقلعة التي تحطمت فيها الذوات، ومورست فيها أبشع أنواع قمع الإنسان، وحب الذات الذي أدى إلى إلغاء الآخر من قبل أي رمز للسلطة أو المسؤول.

وتفجرت ثنائيات كثيرة في هذا العمل وعبّرت عن نفسها من خلال التقنيات الفنية المسرحية التي رسخت نوعا من المفارقات التي تعيشها شخصيتا المسرحيّة الأول والآخر، وهو ما دعمته عناصر السينوغرافيا.

وركز العرض على أن الخسارة الحقيقية تكمن في أن يخسر الإنسان إنسانيته، ومعنى هذا انه يكون قد فقد مقوما هاما في حياته ووجوده، وبمعنى آخر يكون قد فقد شعوره وإحساسه بأنه إنسان ولم يعد منتميا إلى المجتمع البشري أو الإنساني، بل إلى المجتمع الحيواني بكل المقاييس.

ويبقى السؤال المطروح والأهم في نص العرض هو: ما الذي يجعل الإنسان يفقد إنسانيته ويتخلى عنها ويقبل أن يتحول إلى وحش مفترس؟ وبكلام أدق ما الذي يجعل الإنسان يختار ألقابا أخرى تتنافى مع إنسانيته وتجعله تابعا إلى مجموعة الحيوانات المفترسة. ليس مستغرباً أن يطلق عليه حيوان مفترس، إذا ما تمت مقارنة أفعال ذلك الشرير والحاقد من قتل وسفك للدماء مع أفعال الحيوانات المفترسة. وهذا اسقاط على ما يحدث من الجماعات المتطرفة التي تقتل الأبرياء من الناس بوحشية وتسفك الدماء. إنها قضية انتهاك الإنسان لإنسانية الإنسان. والقضايا كبيرة ومؤلمة ومثيرة للسخط، وليس أدل على ذلك من أنهار الدم التي تجري في وطننا العربي.

احتوى العرض على مشاهد بصرية ممتعة، من خلال سينوغرافيا مدروسة بدقة، وهي بطلة العرض فعلياً، في مشهد السيارة وتحركها وصولاً إلى انفصال مقعدي السائق ومرافقه إثر العاصفة، والانتقال إلى المقبرة، حيث تحولت المقابر في الانكشاف الأخير إلى أسرة مستشفى الأمراض العقلية أو النفسية.

لم يخل العرض من بعض الهنات، لعل أهمها هبوط الإيقاع في فترات زمنية متفاوتة، مما يخلق الإحساس بمرور الزمن بلا جدوى وبالملل، وهذا الخلل كان بالإمكان تلافيه، حتى لا يؤثر على الإيقاع العام للعمل.

على مستوى التمثيل، نجد الفنان القدير أحمد السلمان يعود إلى خشبة المسرح النوعي بقوة وبلياقة عالية جداً، وبأداء متقن يستحق عليه الثناء لتميزه رغم ابتعاده فترة طويلة عن المشاركة في المهرجانات.

 أما الفنان فيصل العميري، فلم يكن محافظاً على أدائه التمثيلي المتمايز طوال العرض، حيث أمتعنا في بعض المواقف، خاصة في غنائه لقصيدة "قد ضاقت الأرض" للشاعر الكويتي سامي القريني التي تشرح المعاناة بسبب الطمع والجشع، وفي أوقات أخرى قدم أداءً اشتطاطيا.

يبقى أن نقول إننا استمتعنا بجماليات عرض "القلعة" للمخرج علي الحسيني، وبسينوغرافيا راقية وجميلة.

الندوة التطبيقية

وفي الندوة التطبيقية للعرض، قال المعقب الرئيسي د. جاسم الغيث، عضو الهيئة التدريسية في المعهد العالي للفنون المسرحية: "قدم لنا المسرح الكويتي عملا مسرحيا طليعيا نصا وعرضا، يحمل الصبغة المعاصرة، وينطلق من نقطة ما في طريق ناء متجهاً بقدر أبطاله إلى القلعة أو المقبرة، ويعرض مأساة إنسانية إذا ما أمعنا النظر في مضامينها الفكرية وبنيته العميقة، وجدنا واقع الإنسان العربي المعاصر في القرن الواحد والعشرين، واقع التهجير والتهجين، واقع التشظي والتنافر، والتمازج والتماهي، ووحدة الأضداد، وأحلام الواقع وواقع الأحلام، كل هذه المفردات أعيد إنتاج معناها الدرامي في العرض المسرحي".

وأضاف: "التوافق الرمزي بين عناصر العرض، يقدم لنا عرضا مسرحيا متعدد الأصوات والدلالات ومتعدد القراءات، فالحياة كما جسدها العرض حلم خادع ليس البشر فيه إلا أطيافا، والأبطال هنا أرواح حبيسة تقضي عقوبة الحياة في وجود قوامه النزعات الإنسانية والمادية".