الندم ليس أسفاً على ما ارتكبناه!
لماذا تنشغل الأغلبية منّا بالتفكير في كيفيّة التكفير عن أخطائهم وخطاياهم؟!لماذا لا يرتكب المرء منّا خطأه ويمضي، هكذا وببساطة؟! لماذا لا يجْنَح الإنسان بخطيئته فقط ويُجنّح؟! لماذا نثقل كاهل ضمائرنا بمسألة غسل آثامنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؟!
لِمَ لا نرمي ذنوبنا خلف ظهورنا إذا ما حدث واقترفناها، ونستمر في حياتنا مقتنعين أن أقصى ما سنفعله تجاه تلك الذنوب، أننا سنحاول جاهدين ألا نكررها، وإذا حدث وكررناها، فسنحاول ألا نكررها لذات الأسباب ولا في ذات الظروف؟!أليس الخطأ والخطيئة جزءاً من طبيعتنا البشرية التي خُلقنا عليها؟! ألسنا غير معصومين وهذه حقيقة لا جدال فيها؟! إذن ما جدوى التنصّل من حقيقتنا؟! وهل يتم محو أخطائنا بالتوبة منها أم بالتكفير عنها؟! فالتوبة تعني التوقف عن فعل الخطأ، أما التكفير فيعني دفع ثمن ذلك الخطأ، التوبة قد تجعل الآخرين يتناسون أخطاءنا، ولكنها لا تغسلنا إلى حدّ الطهارة من خطايانا، بينما التكفير قد يفعل ذلك،وحرصنا على أن نتطهّر ليس لكي نصبح ملائكة، ولكن حتى لا نصبح شياطين. فكوننا بشراً هذا يعني أن في كل منا جزءاً خيّراً وآخر شريراً، كلّ حسب ما قُدّر له من النقيضين، والجزء الشرير هو ذلك الجزء الذي يحرّضنا على ارتكاب الأخطاء والخطايا، فإذا ما طغى هذا الجزء على الجزء الخيّر أصبحنا أقرب إلى الشياطين منّا إلى البشر العاديين...، والوسيلة الوحيدة للمحافظة على هذا التوازن فينا لنبقى بشراً هي التوبة، أمّا إذا أردنا أن نمنح أنفسنا فرصة لارتكاب خطايا جديدة فالوسيلة الوحيدة هي التطهّر من خطايانا السابقة، وذاك لن يتحقق سوى بالتكفير عنها!إن من ضمن لنفسه أنه لن يرتكب خطأ ما أو خطيئة أخرى مستقبلاً تحت أي ظرفٍ كان فستكفيه التوبة حتماً، أما من يظنّ أنه سيبقى كائناً بشرياً، مما يجعله قابلاً للوقوع في إغواء الخطأ مجدداً فأدنى ما يحتاج إليه هو التكفير عن خطاياه!إلا أن ما يجعلنا نلجأ إلى التوبة عن أخطائنا بدلاً من التكفير عنها هو أن التكفير كما ذكرت يعني دفع الثمن مقابل ارتكابنا تلك الأخطاء، والثمن يكون بحجم الخطأ أو الخطيئة، وهذا تحديداً ما يجعلنا نفضّل التوبة على التكفير عن الذنب، فالتطهّر مُكلف كثيراً في الغالب، وأغلى ما قد ندفعه في مقابل ذلك ربما... كرامتنا بالإضافة إلى أشياء أخرى قد تكون أقل أهمية!ربما الأديان وجدت حلاً لمعضلة التكفير وصولاً إلى الطهارة المنشودة ليتمكن الفرد من إكمال مسيرته البشريّة متصالحاً مع ذاته، إذ يكفي مثلاً الاعتراف في "خورس التائبين" في الكنائس، أو أداء فريضة الحج في الإسلام، حيث يعود الحاج كما ولدته أمه طاهراً من الذنوب والخطايا!إننا نخطئ لأننا بشر، ونتوب عن أخطائنا ونكفّر عن خطايانا فقط لنبقى كذلك، أي لنتمكن من مواصلة ارتكاب الأخطاء، وهنا تأتي أهمية الندم وحقيقته، فهو من هذه الزاوية ليس أسفاً على ما ارتكبناه، وإنما على ما نظن أنه لم يعد يُسمح لنا بارتكابه!