انضمت بلجيكا مؤخراً إلى جوقة القاصفين لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن سبقتها فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وروسيا... إلخ، وانضمت باريس إلى تحالف مع موسكو التي بدأت حربها على المعارضة السورية لنظام الأسد تحت عنوان ملتبس هو "محاربة الإرهاب"، وهي الحرب التي باركتها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأعطتها صبغة دينية صليبية، وإيران "الجمهورية الإسلامية" تنسق مع روسيا في مركز بغداد لدعم حربها في سورية ذات النكهة الدينية الصليبية! وإسرائيل متفاهمة مع موسكو لتنسيق الطلعات الجوية فوق سورية، وواشنطن تكلف قواتها الجوية بتدريبات مع الطيران الحربي الروسي لتلافي أي حوادث تقع بينهم في سماء الشام، يعني كلهم مع بعض في تحالف (كوكتيلي) عجيب.

Ad

 بينما مصر قلب الأمة تعتبر الحرب الكونية فوق سورية في مصلحتها، والجزائر تعتقد أن طهران هي سيف الأمة العربية المسلول! وصراخ بقية العرب ومعهم تركيا وتحذيرهم العالم أن ما يحدث من قتل في سورية من طائفة مدعومة من إيران وميليشيات طائفية سيطلق حالة أسوأ من الحالة الأفغانية، ستدخل العالم كله في مرحلة خطيرة من الإرهاب، ولكن لا يريد العالم كله أن يسمع تلك التحذيرات ويصم آذانه عنها، وكأن هناك سيناريو مرسوماً يجب أن يكتمل لنصل إلى ما عليه اليوم من أحداث وحرب كونية يجب أن تخاض في المنطقة.

  نعم عيوننا دمعت على ضحايا مسرح باتكلان، وكل من قتل وأصيب مساء ذلك اليوم الدامي في باريس، ولكنها أيضاً بكت قتلى قرية القصير، وأشلاء أطفال البراميل المتفجرة، وضحايا السلاح الكيماوي في الغوطة، وعمليات التطهير العرقي والإبادة التي يقوم بها الحشد الشعبي في غرب العراق، ولكن لم يبكهم العالم، ولم يتلون برج إيفيل في باريس، أو مبنى الإمباير ستايت في نيويورك بألوان أعلام دولهم حزناً عليهم، خصوصاً أنهم باتوا بلا أعلام تمثلهم، لأن أعلام دولهم أصبحت تمثل أنظمة وطوائف تقتل شعبها، ولم يصدر قرار دولي يعاقب ويدين حكومة لبنان على سماحها بتنقل مقاتلين لبنانيين عبر حدودها إلى سورية للقتال ضد الشعب السوري، الذي يعتبر دم أبنائه نخباً ثانياً، وربما عاشراً بالنسبة إليهم، ولا لطهران أيضاً لنفس السبب، وبالطبع لا إدانة لإسرائيل وبغداد.

  أوروبا والولايات المتحدة تريدان أن يكون المهاجرون العرب والمسلمون لديهما "روبوتات" بلا مشاعر، يشاهدون قتل أهلهم، ونفاق المجتمع الدولي تجاه القتل والظلم القائم تجاههم، ولا يخرج بعضهم إلى التطرف، وعندما تحاور الأوروبيين والأميركيين لكي تستعرض أسباب ما يحدث وسبل علاجه يصدون عنك، ويتحدثون بلهجة أسياد العالم الذين يجب أن تطوع كل الحقائق والمعطيات وفقاً لرؤيتهم هم، وتسير كما يشتهون.

  أنا شخصياً أحمل فكراً مدنياً، لطالما حاربت من أجله الأصولية، والتشدد وخلط الدين بالدولة، وكنت أحذر مع زملاء كثر من أن الأصولية ستضع المسلمين ودولهم في الموقف الصعب الذي نعيشه حالياً، ولكنني اليوم، وأنا أشهد السيناريوهات التي تنفذ في المنطقة، أعتقد أننا أمام توجه مدروس وليس عبثياً، تستخدم فيه علتنا الأصولية كأداة لتنفيذ أهدافه، فلا يمكن مثلاً القول إن فرنسا لا تعلم أن حاكم ولاية الرقة الداعشي علي موسى شاوار أطلق من سجن صيدنايا الخاضع لنظام الأسد، وأن قافلة محروسة من الاستخبارات السورية له ولزملاء معه أوصلتهم إلى الرقة، وأن واشنطن لا تعلم أن الصحوات العراقية قد قضت على الحركات المتشددة في غرب العراق قبل أن يعاد تكوينها مرة أخرى من أياد خفية في طهران ودمشق وبغداد، وأن في الليالي التي تلت هروب قيادات "داعش" الحالية من سجن أبوغريب والتاجي قرب بغداد، رفعت حواجز الأمن العراقية المدعومة إيرانياً من الطرق السريعة، حتى يتمكن الهاربون من الوصول إلى مبتغاهم!

بالطبع إننا في العالم العربي مسؤولون عن استغلال أبنائنا في هذا المشروع الخطير بسبب انخراطنا حكومات وأفراداً في أحياء الأصولية الإسلامية، ولكن ما يحدث مؤامرة كبرى تنسج خيوطها في الشرق والغرب وطهران وتل أبيب، ويستغل فيها أغرار بخطاب ديني ممجوج، يدفع ثمنه حالياً الشعب السوري بأشلاء أطفاله، وحياة نسائه ورجاله، وكذلك بالتطهير العرقي والطائفي في العراق، ولكن مهما صرخ العرب والمسلمون بالحقائق فإن العالم لن يرد، لأن المشروع مستمر والحرب الصليبية- الفارسية المدعومة إسرائيلياً انطلقت في المنطقة.

***

سؤال يتردد دائماً:

"داعش" يضرب في باريس، ويسقط طائرة في سيناء، ويفجّر مساجد في السعودية، ويحتجز رهائن في مالي... إلخ، ولكنه لا يستطيع أن يقوم بعملية واحدة في الساحل السوري معقل الأسد وجماعته، ولا في دمشق التي كانت تملؤها التفجيرات في بداية الثورة مترافقة مع تحذيرات الأسد الصغير من "الإرهابيين الإسلاميين" قبل أن تتشكل جبهة النصرة، وبعدها تنظيم الدولة، ثم فجأة توقفت تفجيرات دمشق المشبوهة!، كما أن "داعش" لم يقم بأي عملية ضد إسرائيل، ولم يستطع أيضاً أن يأسر جندياً إيرانياً واحداً... ألا يحتاج ذلك إلى تحليل وتفسير؟!