6/6: إنصاف فرسان الدبلوماسية
منذ عهد الاستقلال عام 1961، لعب فرسان العمل الدبلوماسي الكويتي من السفراء الفتيان في حينه أدواراً مشرّفة في حروب بلادهم الدبلوماسية بقيادة مهندس السياسة الخارجية الكويتية حضرة صاحب السمو الأمير.وفي منعطف الغزو تم شحذ واستحضار كامل مخزون ثروة الكويت الدبلوماسية من خبرات وقدرات أبنائها سفراء الكويت ومعاونيهم في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، اتكاءً على السياسات الخارجية الحصيفة للدولة، فشكّلوا طلائع الجهد الوطني نحو التحرير والعودة، ونجحوا باقتدار في تحشيد النصرة الدولية للحق الكويتي وإزهاق باطل الاحتلال، وحاز ذلك الجهد الوطني الكويتي احترام وإجلال العالم بأسره، وبرز من سفراء الكويت في تلك المرحلة نجومٌ في العمل السياسي والإعلامي على النطاقات العالمية لن تنساهم الذاكرة الوطنية عبر التاريخ.
واليوم وبعد مضي عقدين من الزمان على التحرير، وبعد أن نضجت خبرات تلك الكتائب الدبلوماسية المخضرمة، وبلغت غالبيتهم إن لم يكن جميعهم مرحلة التقاعد، فإن نجومهم المتلألئة بدأت بالأفول، وتناثرت حبّات عقودهم خلف جدران النسيان، وتواروا عن الأسماع والأنظار بعد أن ملأوا دنياهم وشغلوا ناسهم بالجهد والعطاء.اللافت هو غياب المنهج المؤسسي المنظم لتدوين خبرات وتجارب كوادر وزارة الخارجية من الدبلوماسيين المتقاعدين من خلال مذكرات مكتوبة وأعمال توثيقية مرئيّة لتكون مرجعية تثري أرشيف ومكتبة الخارجية الكويتية، راصدة أهم المفاصل والمكتسبات والأحداث التي نجحت فيها تلك السياسات من خلال سفراء الكويت بالخارج عبر تاريخها الطويل والحافل بالنجاحات والتميّز، ولم نشهد سوى محاولاتٍ محدودة من الدبلوماسيين الرواد أمثال الأستاذ عبدالله يعقوب بشارة والأستاذ سليمان ماجد الشاهين، الذين أصدروا بمبادرات فردية مؤلفات احتوت مذكراتهم القيّمة لمسيرتهم الدبلوماسية الحافلة. ومع عدم إغفال إشراك إدارة وزارة الخارجية للمتميزين من السفراء المتقاعدين في مناهج التدريب في معهد المرحوم الشيخ سعود الناصر الصباح الدبلوماسي (أحد ألمع نجوم الدبلوماسية الكويتية) وكذلك مشاركتهم في لجنة الرأي والمشورة التي شكلتها الخارجية الكويتية، فإن تكثيف تلك المشاركات وتطعيم (فرق التفكير الدبلوماسية) (diplomatic think tanks) بالعناصر المتميزة من الدبلوماسيين المتقاعدين، سوف يثري العمل من جانب، ويزيد إسهامات رجال الأمس بمتطلبات الحاضر ورؤى المستقبل من جانب آخر. الغريب أن الكويت بكل تاريخها الدبلوماسي الحافل بقيادة من تعاقب عليها من وزراء ووكلاء رفيعي المهنية والحظوة السياسية، وعلى الرغم من مساعي وزارة الخارجية الحثيثة، فإنها منذ عشر سنوات لم تتمكن من إنشاء نادٍ يضم دبلوماسييها المتقاعدين، بديلاً عن حال التبعثر الذي يتيهون فيه بعد العودة إلى وطنهم ولا يجدون سوى مقاهي (المولات التجارية) مراكز لملتقياتهم اليومية أو الأسبوعية، وتعود أسباب ذلك إلى تدخلات مؤسفة من بعض نواب مجلس الأمة أو المجلس البلدي السابقين عرقلت إنشاء النادي للإبقاء على منشآت لصيد الأسماك مخصصة لبعض هواة الحداق من المواطنين في الموقع المختار للنادي، وهي مؤجّرة بالباطن للوافدين العاملين بالصيد الجائر للأسماك، في حين أن المعطّل هو النادي الدبلوماسي الذي سيضم نخبةً من أبناء الكويت الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة وطنهم وشعبهم من خارج الحدود!أخيراً، فإن هذه الكوكبة الكريمة من فرسان الدبلوماسية الكويتية لم تنصفهم الدولة بضمهم إلى برامجها السخيّة التي استفاد منها المتقاعدون في القطاعات العسكرية المختلفة ورجال الإطفاء، والقطاع النفطي وغيره من القطاعات الحكومية، وحصل البعض بموجبها على مكافآت ناهزت المليون دينار، في حين أن السفراء المتقاعدين بالرغم من عطاءاتهم الكبيرة في مواقعهم المختلفة، تنتهي حياتهم المهنية بمعاشات تقاعدية متهالكة لا تقارب حتى نصف ما كانوا يحصلون عليه من مرتبات وامتيازات أثناء الخدمة.إن الوقت لايزال متاحاً للمبادرة من قبل قيادة وزارة الخارجية لتعظيم الاستفادة من المخزون الثري لرجال الدبلوماسية الكويتية المتقاعدين بعد أن عملوا بصمت طوال حياتهم، وتعف كراماتهم ونفوسهم الأبية عن المطالبة اليوم بما هو مستحق لهم بالمقارنة مع سواهم ممن أجزلت لهم الدولة العطاء!