مرافعة : من يتحمل فوات ميعاد الطعن؟
في الوقت الذي تسارع النيابة العامة بالطعن على أحكام التمييز في القضايا الجزائية المختلفة، ومنها قضايا الصحافة على غير عادتها، تمتنع عن تقديم طعنين بإحدى قضايا الرشوة الانتخابية أمام محكمة التمييز لأسباب غير واضحة، خصوصا أنه كان بمقدورها الطعن على الحكم منذ صدوره من محكمة الاستئناف دون الحاجة إلى انتظار ملف القضية الذي استغرق أياما عديدة لوصوله إليها، رغم أن المسافة بين النيابة وإدارة كتاب محكمة الاستئناف لا تبعد إلا ثلاثة طوابق فقط!
أقول إن النيابة العامة لم تكن تحتاج إلى انتظار ملف القضية، وكان بمقدورها الطعن على الحكم الصادر من اليوم التالي لصدوره دون أن تتمسك برأيها بضرورة تسلمها ملف الدعوى أولا، لعدة أسباب هي أن الحكم الاستئنافي الصادر بالقضية انتهى إلى براءة المتهمين، وألغى حكم محكمة أول درجة القاضي بحبس المتهمين بعقوبات مع الشغل والنفاذ، وأن الأحكام الصادرة من المحاكم علنية والنيابة كانت ممثلة في الجلسة التي صدرت بها، وإن لم تكن كذلك فالجميع سمع وقرأ في شبكات التواصل الاجتماعي بل والصحف في اليوم التالي عن صدور أحكام بالبراءة بهذه القضايا الشهيرة، والتي سبق أن أصدرت النيابة، على ذمة التحقيق فيها، قرارات بإخلاء سبيل المتهمين بكفالات مالية عالية تقدر بعشرات الآلاف، وقرارات بمنع سفرهم، وبالتالي فهي تعلم أهمية هذه القضية، وكان من السهل مطالبة أمين سر الجلسة فور صدور الحكم بنسخة من تلك الأحكام، والإلحاح عليه بالحصول على ملف الدعوى، وليس انتظار الروتين الإداري الذي أفلح في ضياع مواعيد الطعن بهذه القضية، في حين أنه كان بمقدور النيابة ألا تعتمد على تلك الإجراءات الروتينية التي تعيشها ملفات الدعاوى، والتي تسير بأسوأ حركة داخلية في المحاكم!شخصياً أثق بصدق نوايا العاملين على جهاز النيابة العامة، وعلى رأسهم النائب العام المستشار ضرار العسعوسي، وبحسن مسلكهم الوظيفي والإداري طوال السنوات التي عملوا فيها بهذا الجهاز، ونشري مثل هذه الملاحظات الداخلية لحركة مرور الملفات، والتي تضيع الجهود التي بذلتها النيابة في التحقيق بالقضايا المهمة، يثير لدى البعض علامات استفهام كثيرة دون أن يعلموا بواطن الأمور التي حالت دون طعن النيابة على الأحكام القضائية أمام «التمييز»، والتي منها أخطاء إدارية وإهمال وتقاعس في حركة الملفات، وقد يكون هناك تعمد يراد به حرمان النيابة من الطعن على الأحكام، ومن هنا يجب أن يعمل القائمون على النيابة على تفويت تلك الفرص بإنشاء أجهزة لمتابعة الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم، ومتابعة رول الدعاوى الجزائية المختلفة، وأن تكون مهمة هذا الجهاز أو القسم معالجة هذا الخلل الإداري المضر بالعدالة!