احتجاجات البصرة «الأخطر» في العراق
الخيام والخيام المضادة، وأغاني الراب لفتيان متحررين، ورائحة نفط وشركات عظمى وزعماء ميليشيات، كل هذه صنعت هوية خاصة للتظاهرات في البصرة، المدينة العراقية الوحيدة المطلة على الخليج، والطامحة لدور مختلف، والمحتكرة لنحو 70 في المئة من الاحتياطي العراقي النفطي المؤكد.وبدأت شرارة التظاهرات قبل نحو 40 يوماً، انطلاقاً من البصرة، حيث لقي مراهق مصرعه أثناء احتجاج شمالي المحافظة ضد دائرة الكهرباء، وأصبح اسمه «منتظر الحلفي» وصورته رمز الاحتجاج حتى في بغداد. ورغم أن معلومات كثيرة تتحدث عن دور جماعات مسلحة موالية لطهران في تحريك الاحتجاج، فإن البصرة وجدت فرصة لصناعة لوحة اعتراض سياسي مختلف، أبطالها شباب متحررون يشعرون بالملل من التشدد الديني الذي يهيمن على البصرة منذ سنوات، ويجعلها تتخلى عن الماضي الثقافي والفني الأكثر انفتاحاً.
ولجأ الشباب إلى نصب خيمة أمام مقر الحكومة المحلية، تقيد حركة المسؤولين ليل- نهار، فلجأت الحكومة إلى نصب خيمة مضادة أمامها، ثم جاء شباب غاضبون يوم الجمعة الماضي، وحطموا خيمة الحكومة وألقوها في نهر العشار التاريخي. ولم يتأخر الجواب، فعند الفجر التالي انسحبت الحمايات الحكومية، وجاءت عناصر مسلحة لتحطيم خيمة المعتصمين والاعتداء بالضرب على الشباب. وهنا قام المحتجون برد كبير، فنصبوا خيمة عملاقة في المكان نفسه، وأضافوا خيمة أخرى أمام بوابة ميناء أم قصر، الأكبر في البلاد، مهددين بقطع حركة النقل، بموازاة تهديد بقطع إمدادات النفط التي تتحرك من غربي البصرة، نحو البحر جنوباً، بمحاذاة الكويت وإيران.واستشعرت شركات النفط العملاقة الخطر، فهددت بوقف الإنتاج، ما دعا رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى زيارة خاطفة للبصرة، وتحدث مع الشركات الخمس الأساسية التي تمثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تدير 80 في المئة من حقول البصرة، ونجحت في رفع الإنتاج من نحو مليوني برميل، إلى حوالي 3.5 ملايين بعد 4 سنوات من العمل الواعد.ويوجه البعض أصابع الاتهام في تهديد الشركات، إلى إيران والفصائل المتشددة الموالية لها، لكن الأمر يصبح أكثر تعقيداً، فالاحتجاجات في البصرة تمتلك رسالة سياسية فريدة، وهي المطالبة بنوع جدي من الاستقلال الإداري، تحت مسمى «إقليم البصرة».وبينما يبدو خطر تظاهرات بغداد، في القرب الجغرافي بين ساحة التحرير، ومقر الحكومة حيث لا يفصل بينهما سوى جسر، فإن خطوط التجارة البحرية والنفط، مع مطالب بالفدرالية الغاضبة، تخلق نموذجاً مميزاً للاحتجاج في البصرة، وهو ما يعده مراقبون إيذاناً بمستقبل سياسي مليء بالمفاجآت في جنوب العراق الثري وذي الغالبية الشيعية، الذي يصبح تدريجياً مسرح صراع، ليس بين إيران وخصومها، بل بين طهران والنجف، إذ تحاولان صياغة مستقبل القيادة الدينية للطائفة، قرب خليط من النفط ورمال البحر وأطلال بساتين النخيل المحروقة.