بعد عبور الأزمة المالية... سياسة البنوك المركزية بتوفير السيولة تحدد اتجاهات الأسواق المالية

• «لا تخالف الاحتياطي الفدرالي» أصبحت جزءاً من لغة المستثمرين
• جاذبية عائد الأرباح الذي يتجاوز 5٪ على سندات الخزانة تبدو مقنعة بالنسبة لبعض المستثمرين

نشر في 10-07-2015
آخر تحديث 10-07-2015 | 00:01
ربما يصبح مزاج السوق أقل حماسة، وقد تكون أساسيات الاقتصاد في وضعٍ أفضل، ما يجعل البيئة مواتية أكثر لارتفاع الأسهم.
 بلاك ستون منذ أن باتت مقولة «لا تخالف الاحتياطي الفدرالي» جزءاً من لغة المستثمرين، أصبحنا جميعاً ندرك أن سياسة البنوك المركزية تلعب دوراً مهماً في أداء السوق. ولعل معظمنا بدأ مسيرته المهنية كمحلل للأعمال أو الأوراق المالية، حيث كنا نعتقد أن الأساسيات مثل وتيرة النمو الاقتصادي ومعدلات نمو الأرباح وأسعار الفائدة هي العوامل التي تحدد قيمة الأسهم. لكن الخبرة التي اكتسبناها عبر السنين جعلتنا نفهم أثر العوامل النفسية، والتي أصبح قياسها ممكناً بطريقة كمية عبر التحليل الفني. ومنذ انتهاء هبوط الأسواق والركود العالمي بين عامي 2008-2009، وحزم التحفيز المالي والتسهيلات النقدية التي أعقبت تلك السنوات المضطربة، بدأت شخصياً بإدراك وتقدير أهمية السيولة التي توفرها البنوك المركزية ودورها في تحديد اتجاهات أسواق الأسهم.

تقييمات الأسهم

بلغت تقييمات الأسهم في الولايات المتحدة الأميركية نحو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في أدنى مستوياتها في مارس 2009. وارتفعت القيمة الإجمالية للأسهم المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 من 6 تريليونات دولار في مارس 2009 إلى 19 تريليون دولار اليوم. وهذه ليست بالطبع كامل قيمة الأسهم المتداولة في الأسواق الأميركية، لأنها تغفل الكثير من الأسهم المدرجة في مؤشر ناسداك والأسواق الهامشية الأخرى، ولكنها على أي حال تمثل القسم الأعظم من رأس المال المتداول لأنها تشمل أكبر الشركات الأميركية المساهمة والمدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز. ولعب نمو الأرباح دوراً واضحاً في هذا الصعود الكبير، إذ أنها زادت بأكثر من الضعف خلال تلك الفترة، من 417 مليار دولار عام 2009 إلى 1.042 تريليون دولار عام 2014. كما تضاعفت الميزانية العمومية للاحتياطي الفدرالي بأكثر من أربعة أضعاف، من نحو تريليون دولار عام 2008 إلى ما يقارب 4.5 تريليونات دولار هذا العام. أي أن الاحتياطي الفدرالي استغرق 95 عاماً كي تصل ميزانيته إلى تريليون دولار، ثم احتاج ست سنوات فقط ليصل إلى المستوى الحالي. ومع أن هدف الاحتياطي الفدرالي من سياسة التحفيز النقدي كان تعزيز النمو الاقتصادي عبر توفير السيولة في أسواق الأسهم، لكنني أعتقد شخصياً أن ثلاثة أرباع الأموال التي تم ضخها في النظام المالي عبر برنامج شراء السندات ذهبت إلى الأصول المالية، ما دفع أسعار الأسهم إلى الصعود، وأبقى نسب عائدات السندات منخفضة. وإذا كانت تقديراتي صحيحة، يكون الاحتياطي الفدرالي قد ساهم تقريباً بنحو 3 تريليونات دولار (وربما ذهب بعضها إلى السندات) من أصل 13 تريليوناً هي الزيادة في قيمة الأسهم المتداولة منذ أدنى مستوياتها في العام 2009 وحتى المستوى الحالي، بينما ساهمت زيادة الأرباح بنحو 9 تريليونات دولار (1.5 × 6 تريليونات دولار) وساهمت العوامل الأخرى بنحو تريليون دولار. لذلك يمكن القول إن التحفيز النقدي ساهم في تمويل هذا التضاعف خلال الدورة الاقتصادية الحالية.

يوروستوكس

وشهدت أوروبا تطورات مماثلة خلال الفترة الماضية. إذ كان مؤشر يوروستوكس بلغ أدنى مستوياته في خريف عام 2014 بقيمة إجمالية للأسهم المتداولة تبلغ 8.1 تريليونات يورو. بينما وصلت تلك القيمة اليوم إلى 10.5 تريليونات يورو، أي بزيادة تقارب 30 في المئة. وبعدما كانت الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي تربو قليلاً على 2 تريليون يورو في أكتوبر 2014، نجدها اليوم وقد ارتفعت بنحو 15 في المئة لتصل إلى 2.344 تريليون يورو. ومع أن تحسن توقعات الأرباح في الاقتصاد الأوروبي ساهم في صعود السوق، مثلما حدث في الولايات المتحدة، لكن السيولة لعبت الدور الأهم في هذ الارتفاع. وكما هي الحال بالنسبة لمؤشرات الأسهم الأميركية، فإن مؤشر يوروستوكس لا يعكس كامل قيمة الأسهم الأوروبية المتداولة في الأسواق.

اليابان

وفي اليابان، بدأت الميزانية العمومية لبنك اليابان المركزي تشهد صعوداً حاداً بعدما كانت في بداية عام 2012 تقف عند 132 تريليون ين، حيث تبلغ الآن مستوى 327 تريليون ين، أي أنها نمت بأكثر من الضعف. وارتفعت القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة في بورصة طوكيو بنسبة مماثلة، من نحو 254 تريليون ين في بداية عام 2012 إلى 587 تريليون ين حالياً. ويرجع معظم ذلك النمو إلى ضخ السيولة النقدية على الرغم من مساهمة أرباح الشركات. وتم ترسيخ مفهوم الدور المهم الذي تلعبه البنوك المركزية في أداء الأسواق المحلية هذا العام من خلال الأداء القوي نسبياً في الأسواق الأوروبية بعد الشروع بتطبيق سياسة ماريو دراغي الصريحة للتيسير النقدي المكثف، وفي اليابان مع الاستراتيجية النقدية المتساهلة التي شكلت جزءاً من البرنامج الاقتصادي لحكومة شينزو آبي. في المقابل، يستعد الاحتياطي الفدرالي لتشديد سياسته النقدية (عبر سحب السيولة) عندما يصبح الاقتصاد الأميركي في وضع مريح يسمح بتقبل رفع أسعار الفائدة. ونتيجة لذلك، كان صعود أسواق الأسهم الأميركية متواضعاً هذا العام، في حين شهدت أوروبا واليابان صعوداً فاق عشرة في المئة مقدراً بالعملات المحلية، وحتى بالدولار الأميركي في حالة اليابان.

تحسن طفيف

وفي هذه المرحلة، يمكن القول إن آفاق الإيرادات ونمو الدخل للشركات الأميركية ليست قوية. حيث تشير أكثر التوقعات تفاؤلاً لأرباح الشركات المدرجة ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 إلى تحسن طفيف خلال العام الحالي، وحتى ذلك النمو الطفيف يتطلب قدراً جيداً من الهندسة المالية، بما في ذلك عمليات إعادة شراء الأسهم وعمليات الاندماج والاستحواذ والديون. ووصلت عمليات إعادة الشراء وعمليات الاندماج والاستحواذ حالياً إلى مستوى أقل من 10 في المئة عن أعلى مستوى لها ما قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وفقاً لشركة ستراتيجاس ريسيرتش للبحوث. كما أن قوة الدولار وانخفاض أسعار النفط هي عوامل سلبية بالنسبة لتحسن الأرباح على المدى القريب. وبالنظر إلى تلك العوامل، فمن المدهش أن الأسواق الأميركية حققت صعوداً وإن كان طفيفاً.

وربما يكون عائد الأرباح من المفاهيم التي تساعد الأسواق حالياً. ففي حين أن العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات يبلغ حالياً 2.2 في المئة، نجد أن عائد أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 «حتى لو بقيت تلك الأرباح ثابتة دون زيادة في العام 2015» سيكون 5.5 في المئة «الأرباح مقسمة على سعر المؤشر»، ويعتبر هذا الفارق بين العائدين جيداً ومشابهاً لما كان عليه في مارس 2009 عندما بدأت الأسواق تنتعش والعائدات تتحرك صعوداً. وفضلاً عن ذلك، من المرجح أن تنمو الأرباح مع مرور الوقت في حين أن قسيمة العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات ستبقى ثابتة. وعلى الرغم من خطر هبوط الأرباح في حال الركود الاقتصادي، فلا توجد مؤشرات على حدوث ركود على المدى المنظور. لذلك فإن جاذبية عائد الأرباح الذي يتجاوز 5 في المئة مقارنة مع عائد القسيمة الذي يبلغ 2 في المئة على سندات الخزانة تبدو مقنعة بالنسبة لبعض المستثمرين. وفي سياق المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، نذكر أن أرقام الإسكان وتعويضات الموظفين حققت نمواً هذا العام، حيث ارتفعت نشاطات الإسكان بنسبة 3 في المئة، بينما ارتفع مؤشر تكلفة الموظف، والذي يقيس تعويضات الموظفين، بنسبة 2.5 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي.

سلبيات حقيقية

لكن على الرغم من الإيجابيات، توجد أيضاً بعض السلبيات الحقيقية، والتي لا بد من تقييم أهميتها. حيث انخفضت الإنتاجية بنسبة 1.9 في المئة في الربع الأول من عام 2015 بعد انخفاض أصغر من ذلك في الربع الرابع من عام 2014. وهذا أمر يدعو إلى القلق لأن الإنتاجية هي العامل الرئيسي للربحية. وقد يعزى ذلك جزئياً إلى تباطؤ نمو الإيرادات بسبب الطقس وعوامل أخرى، لكن تحسن الإنتاجية يبقى ضرورياً للنمو. وكانت التقنية من أهم عوامل زيادة الإنتاجية، لكن ربما وصلنا إلى مرحلة من النضج تتوقف فيها مؤقتاً الفوائد التراكمية لاستخدام المعدات والعمليات على صعيد زيادة إنتاجية الموظف. وبالنظر إلى التوقعات التي تشير إلى تباطؤ نمو الإيرادات، فمن الضروري جداً عكس هذا الاتجاه السلبي في الإنتاجية.

وعلى صعيد سوق التوظيف، فإن مراجعة تقرير العمالة الأخير من منظور واسع تدعو للقلق. حيث يقول دايفيد مالباس، من شركة إنسيما جلوبال، إن نمو القوة العاملة لم يتجاوز 166.000 وظيفة في شهر أبريل، أي بزيادة 1.1 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام السابق، وهذا مخيب للآمال. وبلغت نسبة العمالة إلى مجمل تعداد السكان 59.3 في المئة، وهذا أقل بنحو 3 - 4 في المئة من مستوى العقد السابق (2000-2010)، وأقل بنسبة 5 في المئة مما كانت عليه في التسعينيات. وما يدعو إلى القلق في هذه البيانات المتعلقة بالميزان التجاري والإنتاجية وتقرير العمالة أنها ترجح عدم حدوث أي زيادة ملموسة في الإنفاق الرأسمالي. ووفقاً لوزارة التجارة الأميركية، فقد انخفضت الاستثمارات الرأسمالية بنسبة 3.4 في المئة في الربع الأول من العام. ونجد أن متوسط عمر المنشآت الصناعية الأميركية هو 22 سنة، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، لكن معدلات التشغيل يجب ألا تنخفض إلى ما دون 80 في المئة كي تبدأ الشركات بالتخطيط لمشاريع إنفاق رأسمالي كبيرة. وقد تم إنفاق جزء كبير من الأموال في شراء معدات تغني عن العمالة ما سمح للشركات بإنتاج السلع والخدمات بعدد أقل من الموظفين.

الطاقة

وكانت الطاقة من أهم دوافع الإنفاق الرأسمالي في الفترة الأخيرة، لكن الانخفاض الحاد في أسعار النفط خلال العام الماضي كان له أثرٌ سلبي كبير على ذلك الإنفاق. ومع ارتفاع أسعار النفط من 43 دولاراً للبرميل «خام غرب تكساس الوسيط» إلى أكثر من 60 دولاراً للبرميل، فمن المفترض أن يعاود الإنفاق الرأسمالي على الطاقة صعوده إذا بقيت الأسعار على حالها. لكن إذا تم توقيع اتفاق نووي مع إيران خلال الأشهر القليلة المقبلة، ورفع العقوبات عنها، فسيضاف نحو مليون برميل من النفط إلى المعروض في الأسواق العالمية، ما قد يؤدي إلى هبوط الأسعار مرة أخرى. ويبدو الآن أن تلك المفاوضات تواجه الكثير من العقبات، لذلك ما أزال أتوقع صعود الإنفاق الرأسمالي على الطاقة خلال العام الحالي.

أسواق الأسهم

وبالعودة إلى أسواق الأسهم، فإن السوق الأميركية تنتظر حدوث تصحيح بنسبة 10 في المئة على الأقل منذ فترة ليست بالقصيرة، فقد مضت ثلاث سنوات منذ حدوث مثل ذلك التصحيح. ويسود التفاؤل والتراخي بين المستثمرين، وهذا عادة ليس أمراً إيجابياً بالنسبة لاستمرار صعود السوق. ومع ذلك، فما زلت أحافظ على نظرتي الإيجابية لأداء مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 خلال عام 2015، لكن ربما يكون علينا تحمل بعض التصحيح أولاً. وفي النصف الثاني من العام، ربما يصبح مزاج السوق أقل حماسة وقد تكون أساسيات الاقتصاد في وضع أفضل، ما يجعل البيئة مواتية أكثر لارتفاع الأسهم. وعلى أي حال، فما زلت أتوقع صعود مؤشر ستاندرد آند بورز S and P 500 بنسبة 10 في المئة أو أكثر بحلول نهاية العام، لكنه سيكون بحاجة للاعتماد على الأساسيات لتحقيق ذلك، دون انتظار أي مساعدة من الاحتياطي الفدرالي والسيولة التي كان يوفرها.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون

back to top