أثناء قضاء إجازتي في إحدى الدول الأوروبية انتابني الحزن والأسى من هول ما رأيت من تدفق الأفواج الهائلة من إخواننا اللاجئين السوريين الذين غادروا ديارهم ووضعوها خلف ظهورهم، هرباً من ظلم وبطش القوات الأسدية التي خلفت وراءها مدناً مدمرة خاوية من أصحابها، حتى المقابر لم تسلم من البراميل المتفجرة التي فتكت بها، دون أن تميز صغيراً أو امرأة.
فسألت نفسي باعتباري مسلماً أولاً وعربياً ثانياً: لماذا وصل بنا الحال كدول عربية إلى هذا الحال من التشرد وطلب المساعدة والذهاب إلى المستقبل المجهول المحفوف بكثير من المخاطر، رغم أن الدول العربية تتميز بالخيرات وكثرة الموارد التي تستطيع بها أن تستغني عن غيرها وتقف على قدميها بكل ثقة! ولكن التغلغل الأوروبي بات كسرطان ينهش جسد الوطن العربي لإضعافه وإرغامه على طلب العطف ومد يد العون من الغرب الذي يلعب دور الأم الحنون الزائفة باحتضان اللاجئين السوريين الذين عانوا الأمرّين على مدى السنوات الأربع الماضية، دون أن يحرك ساكناً ذلك الغرب الذي يدّعي حماية حقوق الإنسان والإنسانية في مواقف معينة ومواقف أخرى متناقضة مع ذلك.وعلى سبيل المثال، من هذا التناقض الإعلامي أصبح اللجوء السوري إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا فجأة الموضوع الأساسي في الإعلام الغربي مع مشهد الطفل إيلان الكردي السوري الملقى على الشاطئ التركي، لكن لماذا لم يتحرك هذا الرأي العام نفسه عندما قتلت قوات بشار الأسد في 2011 الطفل حمزة الخطيب في درعا؟! عندما بدأت الأحداث تشتعل وتدق طبول الحرب التي أكلت الأخضر واليابس وأهلكت المدنيين المسالمين العزل الذين ليس لهم أي ذنب، واليوم يدق الاتحاد الأوروبي الصدر ويرحب ويبدل قناعه إلى القناع العاطفي المليء بالإنسانية، كل هذا أجل لماذا؟! لاستخدام الموارد الحقيقية، وهي الموارد البشرية، للنهوض بها لسد نقص الاحتياجات من الأيدي العاملة، وذلك لوجود خلل وتفاوت في الفئات العمرية والتعداد السكاني في الاتحاد الأوروبي.وهنا نستذكر آهات وآلام الشعب السوري المناضل الذي وقف أمام الظروف الحالكة على جميع الصعد، وكان الإعلام الدولي آنذاك بعيداً كل البعد ولا يحرك ساكناً، فإذا نظرنا إلى الإحصائيات من جرائم الحرب السورية المرتكبة والمعتمدة، حسب ما ذكرته الدول الثماني خلال اجتماعها في لندن في أبريل 2013 على مصادر منظمات حقوقية، فإن عدد القتلى الذين سقطوا خلال النزاع في سورية تجاوز الـ70 ألف شخص، بالإضافة إلى أكثر من مليون لاجئ وأكثر من مليوني نازح في الداخل، وهذة التقديرات تتعلق بسنتين من الأزمة أي من مارس 2011 إلى مارس 2013، كما وثق المصدر السوري لحقوق الإنسان مقتل ومصرع 210060 شخصا منذ انطلاقة الأزمة في 18 مارس 2011، تاريخ ارتقاء أول شهيد في محافظة درعا، حتى تاريخ 5/2/2015.فأين كان الإعلام المجحف من العمليات العسكرية الواسعة في درعا ودوما التي أدت إلى مقتل عشرات الأشخاص، ومن ثم بدا الجيش عمليات أخرى في بانياس ثم بعدها بأيام في حمص والغوطة، وقد تربط التحليلات المقبلة بين تلك التطورات، وإطلاق خطة المشروع السوري، بحيث يتم التخلي عن اللاجئين وعن العديد من المناطق التي تشكل المعارضة النسبة الكبرى من سكانها، والتوجه نحو إقامة الدولة الطائفية التي تريدها إيران، والتي تخدم المصالح الروسية، وتحافظ على النظام السوري، هذا المشروع يعتبر البديل المفضل للنظام ومعاونيه، بعد أن فشل الحسم العسكري في ترويض الشعب السوري، الأمر الذي يعني تطور الأحداث بما يرفع منسوب الدموية في المواجهات وبحيث تزداد وتيرة اللجوء إلى الخارج.وفي هذه الأثناء، يتم التركيز على الدولة العلوية التي ستتحول إلى قاعدة إيرانية روسية متقدمة تتبادل الإسناد مع "حزب الله" وتظل جرحاً دامياً في خاصرة المنطقة، وشرطياً يمارس شتى أنواع التدخل في شؤون الشرق الأوسط، فنسأل الله العلي القدير أن يديم علينا وعلى الأمة العربية والإسلامية نعمة الأمن والأمان ويحفظ الكويت من كل مكروه.
مقالات - اضافات
إطلاق المشروع السوري ومعاناة اللاجئين
17-10-2015