طرف الخيط: النائب د. دشتي ... وعماد مغنية
النائب عبدالحميد دشتي كما هو واضح، لا يجبر أحداً على حب عماد مغنية أو حزب الله أو حتى الإيمان بالأهداف «السلمية» و«الودية» لكل السياسات الإيرانية في عموم المنطقة، وقد لا تكون هذه قناعة ناخبيه أو معارضيه في الدائرة الانتخابية أيضا، ولكن أين أصواتهم ومواقفهم؟ وأين من ينطق بها بجرأة على الصفحات الأولى من الجرائد الكويتية؟
ملحوظة: تمت كتابة هذا المقال قبل تطورات الأحداث الأخيرة التي شهدتها الكويت في ما يتعلق بنتائج التحقيقات مع الخلية التي تم القبض عليها مؤخراً.صرح د. عبدالحميد دشتي، النائب المعروف بمجلس الأمة الكويتي أنه يضمن "عدم اعتداء إيران على الحقوق السيادية للكويت"، متعهداً بأنه "إذا حدث المحال فسنتصدى في الذود عن سيادتنا"، وأضاف على الصفحة الأولى من صحيفة "الجريدة" "إنني أضمن لكم أن إيران لن تعتدي، بل ستتعاون معنا متى طلب منها ذلك". (27/ 8/ 2015).
تصريحات النائب د. الدشتي عن سياسات إيران ونواياها ووجوب الثقة المطلقة بها، جاءت بعد الاستنكار العريض الذي جوبه النائب نفسه به قبل شهر، عندما فجر أزمة جديدة مع نهاية أيام عيد الفطر بزيارته لأسرة اللبناني "عماد مغنية" في منزله، وقام بتقبيل رأس والده، وتسبب في إثارة مشاعر الكويتيين جميعاً، وفي إحراج صارخ لكتلة النواب الشعية، ولناخبيه في دائرته، على وجه الخصوص... وغيرهم.وقد وصف رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم هذا العمل بـ"التصرف الاستفزازي"، واعتبر النائب عبدالله المعيوف "أنه لا يوجد فرق بين المجرم عماد مغنية ومجرمي "داعش"، فكلهم ملطخة أياديهم بدماء كويتية زكية"، واستنكر الزيارة النائب نبيل الفضل، كما استغربها النائب د. محمد الحويلة باعتبارها عملا "غير مسؤول أثار حفيظة المجتمع، وضرب استثنائية الرد الوطني الذي كان محط إعجاب العالم بعد أحداث مسجد الإمام الصادق". وانتقد الكثير من كتّاب المقالات تصرف النائب الدشتي واعتبروه منافياً لكل الأعراف وطعناً في الوحدة الوطنية وإساءة إلى المجتمع الكويتي.وقال الزميل بدر خالد البحر في "القبس" (26 /7/ 2015) "سبعون عملاً إرهابياً، على أقل تقدير، تم حصرها للأعمال الإجرامية التي قام بها حزب الله اللبناني بقيادة عماد مغنية، تم تنفيذها في الكويت إبان الثمانينيات أشهرها تفجير السفارة الأميركية في ديسمبر 1983، الذي قتل فيه سبع ضحايا، ومحاولة اغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد مايو 85، الذي قتل فيه أربع ضحايا، وانفجار المقاهي الشعبية يوليو 85 الذي قتل فيه إحدى عشرة ضحية، ومن أشهرها أيضاً اختطاف طائرة الجابرية التي قتل فيها ضحيتان... إلخ". وفي صحيفة الشرق الأوسط 19/ 8/ 2015 كتبت أستاذة الجامعة والكاتبة السعودية المعروفة "د.أمل عبدالعزيز الهزاني" مستغربة، أن الراديكالية الشيعية في الكويت، كما في لبنان والعراق، ليست فكراً مارقا محارباً من الدولة، ففي الكويت وفي حالة نادرة، تقول د.الهزاني: "يستطيع نائب في مجلس الأمة أن يتوجه في زيارة معلنة لعائلة عدو استهدف أمن بلده، وقام بقتل مواطنيه، ويلتقط معهم صوراً باسمة، ثم يعود إلى مقعده تحت قبة المجلس وكأن شيئاً لم يكن، وهذا السلوك الاستثنائي لم يحصل فجأة، بل سبقته جرعات متكررة من الممارسات التي ضربت الصف الوطني، وأوغرت الصدور، ولكن غياب المساءلة والمحاسبة مهد لأعمال أكثر استفزازاً".غير أن لقضية اللبناني عماد مغنية في الكويت جانباً أكثر تعقيداً، فالحكومة الكويتية نفسها غير صريحة في إدانته، وغير واثقة علنا من أن "مغنية" هو الذي قام بكل الجرائم المنسوبة إليه، وفي مرحلة سابقة أكد سمو رئيس مجلس الوزراء السابق نفسه أن الحكومة الكويتية لا تمتلك دليلاً ماديا ضد عماد مغنية! هل يعني هذا في نهاية التحليل أن التهم الموجهة إليه "إعلامية" أو "سياسية" وغير مدعمة قانونياً؟! وهذا يدل أننا بصراحة أضعنا وقتاً ثميناً كحكومة وأجهزة قانونية منذ عام 1983 ولمدة ربع قرن، في جمع الأدلة الجنائية ودعم ملف الاتهام، وتوثيق المعلومات في بيروت ودمشق وجنوب لبنان بخصوص عماد مغنية، حتى لو صرفنا في سبيل ذلك بعض ملايين الدولارات، بدلا من أن نجد أنفسنا اليوم مختلفين في حقيقة دوره مهما كانت مشاعرنا إزاء الرجل وحزننا وغضبنا، حيث لا نمتلك أي "أدلة مادية" ضده.وليس من المستبعد بالطبع أن يكون عماد مغنية من يكون في حزب الله أو الاستخبارات السورية أو حتى الإيرانية، وأنه هو المسؤول عن كل ما نتهمه به، وأنه جرت تصفيته وغير ذلك مما تذهب بنا الظنون، ولكن أما كان باستطاعة الجهات الحكومية الكويتية، بما تمتلك من أموال وعلاقات، أن تصل إلى بعض خيوط واعترافات موثقة؟ أم لعل الحكومة الكويتية تعرف أكثر مما تود أن تعلن معرفته، ولكنها لا تريد تصعيد الأمر مع حزب الله وسورية وإيران، أم أن الحكومة مترددة لأنها تعرضت لتهديد ما يمسنا في الداخل أو يهدد السفارات والشخصيات في الخارج؟ نحن بحاجة إلى مصارحة وفتح ملف!ننتقل الآن إلى النائب د. عبدالحميد دشتي الذي لا يخفي منذ فترة ليست بالقصيرة تعاطفه الحار مع الرئيس السوري بشار الأسد، ومع حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وربما كل السياسات الإيرانية في المنطقة الخليجية. ولا شك أن أكثرنا يشعر باستياء بالغ من بعض هذه المواقف أو يتساءل على الأقل عن دوافعها، ولو كان النائب دشتي شخصا يعبر عن نفسه فحسب، أو مجرد رجل أعمال أو محام لا علاقة له بالمناصب العامة، دع عنك البرلمانية، لكان حرا في أن يقول ويفعل ما يشاء في حدود الحرية القانونية، ولكنه بالطبع عضو في مجلس الأمة الكويتي، ويمثل خاصة الآلاف من شيعة الكويت، بل يمثل كل الشعب الكويتي بموجب المادة 108 من الدستور التي تقول إن "عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة". فهل كل هؤلاء من الناخبين خاصة يؤيدون كل تصريحاته وتصرفاته، ويودون لو قبلوا رأس والد عماد مغنية مثلا، وتقديم العزاء له في "مصابه الجلل"؟ وهل النائب الدشتي في تصرفاته وتصريحاته "يرعى المصلحة العامة"؟لافت للنظر كذلك ألا يتساءل شخص له صفة قانونية وتشريعية مثل النائب عبدالحميد دشتي وناخبيه وأنصاره عن دور "حزب الله في لبنان"، وتحكمه في مفاصل الحياة السياسية هناك، وفي مصير الشيعة والسنّة والمسيحيين وغيرهم، وقيامه بتشكيل جيش مزود بالدبابات والصواريخ لا يخضع لأوامر السلطة اللبنانية، ولا يخضع لقيادة البلاد العسكرية، بل يقف سدا منيعا في وجه انتخاب رئيس جديد وعودة الاستقرار للبنان.دعك الآن من دور حزب الله وانحيازه ومشاركته في الحرب السورية! كيف يمكن للنائب عبدالحميد الدشتي، وبقية نواب الشيعة وناخبيه أن يختاروا الصمت واللامبالاة والمهادنة إزاء هذا الحزب وسياساته ومغامراته وتدخلاته، وأن يثوروا في الوقت نفسه على أي ضغط أو تصرف يعتبرونه ماساً بحقوقهم وكرامتهم في الكويت أو لبنان أو أي مكان؟السيد عبدالحميد دشتي من جانب آخر أكثر شجاعة وصراحة من بقية ناخبيه الشيعة، خصوصا الذين ربما يخالفونه الرأي ويستهجنون مواقفه، إلا أن المئات والآلاف منهم وغيرهم من محامين وأساتذة جامعة ورجال أعمال وكتّاب زوايا في الصحافة ورجال دين ونواب سابقين لا يقولون شيئا، ولا ينطقون بحق أو بباطل في انتقاده أو حتى تأييده.. أو بأي رأي آخر، وكأن ما يجري أمامنا يجري في كوكب آخر أو في إحدى الجزر النائية!النائب عبدالحميد دشتي كما هو واضح، لا يجبر أحداً على حب عماد مغنية أو حزب الله أو حتى الإيمان بالأهداف "السلمية" و"الودية" لكل السياسات الإيرانية في عموم المنطقة، وقد لا تكون هذه قناعة ناخبيه أو معارضيه في الدائرة الانتخابية أيضا، ولكن أين أصواتهم ومواقفهم؟ وأين من ينطق بها بجرأة على الصفحات الأولى من الجرائد الكويتية كما يفعل د.عبدالحميد دشتي؟