واشنطن تراهن على القوى الميدانية الموثوقة
الدول المشرقية الموحدة باتت من أحاديث الماضي
بات من شبه المؤكد أن موعد الثلاثين من يونيو الحالي لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران سيمدد و«لو لبضعة أيام».لعبة التمديد، التي درج عليها المفاوض الإيراني، تجاريه فيها الدول الخمس الكبرى وألمانيا، في تقليد لا يعكس بالضرورة صعوبة عدم تمكن المفاوضين من تذليل العقبات، بقدر ما هو حاجة إعلامية، يريدها نظام طهران للتعويض عن «التنازلات» التي يستعد لتقديمها في النهاية.
وتعكس لعبة التمديد هذه أيضاً سلوك القيادة الإيرانية في كثير من ملفات المنطقة، ليس آخرها إفشال مؤتمر جنيف اليمني، بعدما امتنعت طهران ومنعت المفاوضين من التوصل إلى قواسم مشتركة، تفسح في المجال أمام مشاريع حلول سياسية، ليتساوى الملف اليمني - بهذا السلوك - مع ملفات المنطقة، وعلى رأسها ملف الأزمة السورية.الأميركيون يدركون هذا المسلك الإيراني، لكنهم لا يعارضونه، مادام الفوز بـ»الجائزة الكبرى» في متناول اليد، في ظل تمترسهم خلف سياسة من أهم عناوينها إدارة أزمات المنطقة ولو على حساب استقرار مجتمعاتها.بدا واضحاً من تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست أن التمديد بضعة أيام لن يخل بالالتزامات، بينما خلط الأوراق الإقليمي في أوجه، وسط تضارب المعطيات الميدانية في كل من العراق وسورية واليمن.بيد أن التطورات التي شهدها الشمال السوري، وخصوصاً في محافظتي الحسكة والرقة، بعد التقدم الميداني الذي حققه الكرد في مواجهة تنظيم داعش، كشفت تعقيدات إضافية في اللوحة الإقليمية المحيطة بميادين المعارك هناك، بعد التغييرات السياسية التي شهدتها تركيا في أعقاب انتخاباتها البرلمانية، وجلاء التنسيق الميداني ورعايته بين قوات التحالف الغربي والمقاتلين الأكراد وحلفائهم في تلك المعارك. وفي واشنطن تزداد المؤشرات وتتصاعد الأصوات التي تطالب الإدارة الأميركية بالمزيد من تلك السياسات التي تراهن على القوى الميدانية «الموثوقة». وتغيب لغة توحيد المعارضة السورية لمصلحة تقييم سياسي يضمر أن الحديث عن مستقبل سورية لم يعد يحكمه هاجس الحفاظ على بنية الدولة ومؤسساتها.وبعيداً عن الخطاب الأميركي عن سقوط «شرعية» نظام الأسد، مع تحول قتال «داعش» إلى الأولوية المطلقة لواشنطن، تتزايد التأكيدات بأن الحديث عن سورية الموحدة، لا بل إن الحديث عن دول المشرق كله موحدة، بات أمراً من الماضي.فـ»تجزئة» الحرب ضد «داعش» وتفصيلها على مقاس المناطق والمجتمعات التي تقاتله، بات وصفة «شافية» في حشد القوى أو تلك المدعوة إلى الانخراط في هذه الحرب، ودليلاً على البراغماتية الأميركية التي باتت تنظر إلى المنطقة بصفتها مكوناً جيوسياسياً قابلاً للتصرف به.هكذا يجري «تصليب» الدور الذي يلعبه الكرد شمال سورية، وإفساح المجال أمام قوات النظام السوري وحلفائه لإعادة ربط مناطقه وتحصينها، عبر تجديد الهجمات لتأمين حقول النفط في تدمر مثلاً، وتعزيز خطوطه القتالية في القلمون بتنسيق ورعاية إيرانية ومشاركة مباشرة من حزب الله، وإشاعة البلبلة في الجبهة الجنوبية، وصولاً إلى شبه طي لملف تدريب المعارضة السورية المعتدلة، بعدما انتهى مبرر دورها أميركياً، إلا من مقاتلة «داعش»!وفي العراق، باتت ترتسم حدود «الفدراليات» على الأرض أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً أن «استيطان» سيطرة «داعش» وتكريسها على المناطق الخاضعة لنفوذه، تؤكده تصريحات المسؤولين الأميركيين، سياسيين وعسكريين، الذين يرددون منذ أكثر من عام أن الحرب ضد هذا التنظيم ستدوم سنوات.وقبل يومين أعلنت «البنتاغون» بدء تدريب وتسليح وحماية العشائر السنّية العربية، عبر العودة إلى تطبيق نموذج «الصحوات» العشائرية، بينما بنية الحكومة العراقية وأرجحية المكون الشيعي فيها والسيطرة الإيرانية عليها لا يمسها سوء أميركي، سواء قبل الاستعداد لمراسم توقيع الاتفاق النووي أو بعده.هذه اللوحة لا توحي بأي عجلة أميركية لتغيير الواقع سريعاً، بينما الترويج لقرب سقوط نظام الأسد لا تدعمه أي معطيات سياسية تشير إلى بلورة بديل منه، خصوصاً أن الانقسام الذي يتعمق في المنطقة بين مكوناتها الإقليمية والمذهبية، هو نبع يتغذى منه النظام وغيره من النظم السياسية المستمرة منذ أكثر من 50 عاماً حتى اليوم.