«داعش» وبغداد يرعيان «الهدوء الحذر» في الرمادي
تقول مصادر من داخل مدينة الرمادي العراقية، التي سقطت بيد «داعش» مؤخراً بعد مقاومة امتدت نحو 17 شهراً، إن الحكومة العراقية والتنظيم المتشدد يحاولان في الوقت نفسه الحفاظ على «حياة طبيعية» هناك.ويبدو المتطرفون الجهاديون مدركين لخصوصية مركز محافظة الأنبار، الذي يعتبر سكانه من جهة «أكثر العشائر انفعالاً واستسهالاً للحرب»، بحيث إن نظام صدام حسين نفسه كان يتحاشى الوقوع في مشاكل معهم قدر الإمكان.
ومن جهة أخرى يدرك التنظيم الجهادي أن الرمادي تبدو «أبرز مدينة بهوى أميركي» في العراق، فبقدر ما كانت الفلوجة المحاذية «عاصمة جهاد» ظلت الرمادي مركزاً للصلات والمصالح الوثيقة التي كرسها الجنرالات الأميركان منذ عام 2006 مع المجتمع المحلي، لصناعة قوات «الصحوة» التي تكفلت بطرد تنظيم القاعدة تلك الفترة، ولذلك يعاني «داعش» معلومات استخبارية متدفقة بغزارة تكشف أهدافاً مهمة تتعرض للقصف بالطيران الدولي والعراقي، ويحاول أن يسلك مسلك الليونة والمرونة لشراء ولاء السكان. من جهتها، تحاول الحكومة العراقية ألا تنسى كمية المتعاونين معها داخل الرمادي، لذلك فهي تشدد الحصار على الفلوجة وتستعد لاقتحامها ربما، لكنها تبقي طرق الإمداد الغذائي مفتوحة أمام تجار خاصين، ما ساهم في بقاء أسعار المواد الأساسية شبه مستقرة في المدينة، على خلاف باقي المدن التي يحتلها «داعش» وتتعرض لأزمات وقود وغذاء خانقة.لكن هذا لا يمنع أن مركز الأنبار يعيش حالة حرب حقيقية، فالهدوء في الرمادي انقطع مرتين بنحو أثار الهلع بين السكان، حسب المصادر التي أكدت أن الطيران العراقي استهدف في إحدى ليالي رمضان مكاناً قرب شاطئ الفرات، احتشد فيه مئات الأهالي ليشاهدوا طقوس لعبة تراثية تعرف بـ«المحيبس»، وأن الأمر ترك عشرات الضحايا من المدنيين، بينما استهدفت الضربة الأخرى جامعاً مليئاً بالمصلين.وتركت الضربتان مخاوف متزايدة من وقوع مزيد من الأخطاء في القصف، خاصة أن «داعش» لا يتردد في إعادة توزيع مقراته المهمة بين الأحياء السكنية التي كانت تعرف بأنها مستقرة وبعيدة عن المناوشات المعتادة.ومع أجواء الترقب بشأن عمليات الفلوجة، التي تتأخر لضمان تقليل نسبة الضحايا بين المدنيين، يسود اعتقاد بأن «داعش» لن يستطيع حماية البلدات السنية المحاذية لبغداد، سواء الفلوجة أو الرمادي، وأنه قد لا يحتفظ بهما لو واجه جهداً عسكرياً منظماً، بتعاون من الساسة السنة، لكنه قد ينكفئ إلى الحدود البعيدة مع سورية المتحصنة بالصحاري والوديان، حيث استسلمت له كل تلك المنطقة المفتوحة على دير الزور غرباً، باستثناء بلدة حديثة الاستراتيجية على الفرات.