يناقش كتاب "محنة الإسلام السياسي.. الأيديولوجيا المارقة"، لمؤلفيه ياسر قنصوة وإبراهيم السخاوي، قضية مهمة وهي مشهد الإسلام السياسي، الذي جاء - وفق الكتاب الصادر حديثا في القاهرة - ليشكل آخر التحولات الفكرية المعاصرة على الساحة العربية من منطلق فشل فكرة التحديث التي دعا إليها الرواد الأوائل ووضعوا بذورها الأولى ثم أخذت الفكرة صورة تحولات أو انحرافات متعددة صاحبت الدولة المركزية في عصر محمد علي باشا، بما صاحبته من تحلل صور العصبية والقبلية وقبول الآخر.
وتلا ذلك سريان التيار الليبرالي الوافد من الغرب الذي اتخذ أبعاداً مختلفة ما بين المحافظة والتطرف والاعتدال مع بدايات القرن العشرين اتخذت بعضها شكلا ايديولوجيا لدى مناصريه ومنذ منتصف القرن العشرين بدا التيار القومي يأخذ مكانه على الساحة الفكرية وعلى مستوى التأثير الجماهيري من منتصف الخمسينيات في القرن الماضي حتى هزيمة 1967 ليتسلم الراية منه التيار الإسلامي بادئا بالدعوة منتهيا بالسياسة حيث تم له أخيرا تسلم السلطة في مصر "الإخوان المسلمين" وفي تونس "حزب النهضة" ومن ثم طرح نموذج الردة عن الغرب هذا النوع من الارتداد عن الأيديولوجية السياسية الغربية بشقيها الليبرالي والاشتراكي ليوجد نوعا من الأيديولوجيا المارقة عن الدين السياسي الغربي الذي ابتدعه الغرب وفصل فيه بين الديني والسياسي ومن ثم أعلن الإسلام السياسي كفره بآلهة الغرب الأيديولوجية لتصبح الحاكمية لله.لكن يبقى السؤال: هل مثلت التوجهات الأيديولوجية من الليبرالية، مرورا بالقومية انتهاء بالإسلام السياسي تحولات فكرية عميقة مؤثرة في تاريخ الأمة؟ أم أنها وهج ألعاب نارية يخبو تألقها سريعا؟ وهل تعد هذه الأيديولوجية المارقة بداية تحول مسار فكري أم نهايته؟هذه الأسئلة ما حاول مؤلفا الكتاب الإجابة عنها عبر رحلة من الحوار العقلي والفكري المشترك بينهما، حيث يعرض الكتاب التحولات الفكرية التي شهدها المجتمع العربي من الانحسار القومي إلى المد الديني فيعزو هذا الانحسار القومي إلى أسباب عدة، ليس هزيمة 1967 فحسب، باعتبارها المسؤولة عن التراجع الجماهيري لتأييد المد القومي، لكن أيضا لعلها المسلمات التي تبناها هذا التيار لإحداث التحول إلى قومية عربية واحدة وأول هذه المسلمات هو التعامل معها باعتبارها ثابتة غير قابلة للتغيير فضلا عن عدم اهتمامه بالخصوصية القطرية لكل دولة على حدة حتى ظهرت حركات الإسلام السياسي أو ما يسمى بالحركة الأصولية الإسلامية.
توابل - دين ودنيا
محنة الإسلام السياسي
16-07-2015