كتاب «لماذا أنا ملحد؟»... وانتحار مؤلفه!
التنوع في القراءات يضع في طريق القارئ أحياناً ما لا يستطيع أن يتجاهله! كهذه الشخصية مثلاً: إسماعيل أدهم، الذي حفلت بذكره صحافة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ثم كتب عن ظاهرته المتأخرون من النقاد والمحللين، وهذا ما لفت انتباهي إليه كي أكتب عنه هذه السطور لقراء "الجريدة"، لأنه شخصية مثيرة للاهتمام، ولا تخلو من غرابة، وتطرح أكثر من سؤال.ولهذا الكاتب، الذي انتحر، كتاب أثار دوياً كبيراً "لماذا أنا ملحد؟"، وقد تيسر لي أن قرأت الكثير من الردود على الكتاب، ولكن الكتاب نفسه لم أعثر عليه، ليتسنى لي الوقوف على سبب إلحاده.
* * *كان يوزع الحلوى على الأطفال بمرح طافح وهو يسير على شواطئ الإسكندرية، وقد فوجئ الناس بالرجل الذي يسعد الأطفال يومياً يلقي بنفسه في البحر، فتبتلعه المياه العميقة، وبعد استخراج جثته تعثر الشرطة على ورقة: إنه انتحر لزهده في الحياة وكراهيته لها!وكتبت صحف القاهرة والإسكندرية عن انتحار العالم الشاب الدكتور إسماعيل أحمد أدهم، عضو أكاديمية العلوم الروسية!وكتب الأديب السوري سامي الكيالي يرثيه: "شاب في حدود الثلاثين، مغولي الوجه والسحنة، أقرب إلى القصر منه إلى الطول، وإلى الهزال منه إلى البدانة، تقرأ في وجهه سيماء العلماء الذين أنهكهم الدرس، وأضناهم التفكير، سريع الحديث، قوي الحجة، ولوع بالجدال والمناظرة، ويكتب في اليوم أكثر من مئتي صفحة في مختلف الموضوعات. لقد عمل الدكتور أدهم في حقبة قصيرة ما يعمله العلماء الأفذاذ في سنوات طويلة، وكأنه عمل جهد أربعين سنة في أربع سنوات!".ولد إسماعيل في الإسكندرية من أب تركي، وأم ألمانية، وتلقى تعليمه ما بين مصر وتركيا وروسيا. درس الرياضيات في جامعة موسكو وحصل على الدكتوراه، وعاد إلى مصر عام 1935 ليكتب المقالات الأدبية، والفكرية، والدراسات النقدية في معظم الصحف.وبعد انتحاره طُرحت تساؤلات كثيرة:- كيف حصل على الدكتوراه من جامعة موسكو في علوم الفيزياء والرياضيات وهو في الثانية والعشرين من عمره؟- وكيف حصل على دكتوراه أخرى في الآداب وهو في الخامسة والعشرين من عمره؟- وكيف حصل على عضوية أكاديمية في المؤسسات العلمية الروسية وليس بينها وبين مصر آنذاك علاقات دبلوماسية؟ - وكيف تمكن من إجادة اللغات العربية، والتركية، والفارسية، والألمانية، والإنكليزية، والإيطالية، إلى جانب الروسية؟- وكيف كانت الصحف والمجلات تتسابق لنشر كل ما يكتبه؟يؤكد الناقد رجاء النقاش أنه اطلع على سيرته، وتبين له الكثير من الحقائق، وأن إسماعيل من أم ألمانية والدها كان عالماً شهيراً.وإلى جانب المئات من المقالات والبحوث والدراسات، لإسماعيل مجموعة مؤلفات، منها على سبيل المثال:- الزهاوي شاعراً.- طه حسين: دراسة وتحليل.- لماذا أنا ملحد؟- علم أنساب العرب.- نظرية النسبية الخصوصية.وظهرت تفسيرات كثيرة لسبب انتحاره، فمنهم مَن قال: بسبب مرض السل الرئوي! أو بسبب ضيق ذات اليد وعجزه عن تسديد ديونه! وهناك من قال: إن المخابرات البريطانية ضيقت عليه الخناق!. والبعض قال: إنه كان يخشى من افتضاح ما يدعيه من أكاذيب!وقد نشر الكيالي مقدمته الرصينة التي قدَّم فيها لكتابه "سيف الدولة وعصر الحمدانيين"، وأضاف: لو عاش إسماعيل لكان من أفضل رواد النقد الأدبي في عالمنا العربي.إسماعيل أحمد أدهم أليس شخصية غريبة من هذا الوطن الثري بالغرائب؟