"نعيب زماننا والعيب فينا"... والحقيقة أننا أمضينا نحو قرن كامل، ونحن نهرب من أخطائنا وخطايانا إما بطأطأة رؤوسنا، أو بتعليقها على حبال الآخرين، والظاهر أننا سنستمر في هذا الخيار البائس خلال هذا القرن، القرن الحادي والعشرين، الذي مضى منه عقدٌ ونصف من الأعوام، ونحن لا نزال نراوح في المكان ذاته: فالله جلَّ شأنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!

Ad

 عادة لتبرير قصورنا وتقصيرنا نقول، إننا أمة مستهدفة، والحقيقة أننا نحن مَن نستهدف أنفسنا، ويستهدف بعضنا بعضاً، وإلا فما معنى أننا قد تفرقنا أيام صراع المعسكرات "أيدي سبأ"، وعلى غرار يوم كنا غساسنة ومناذرة، بعضنا منحاز إلى الفرس وبعضنا الآخر منحاز إلى الروم... والآن ونحن نشكو من أن ظروفنا عصيبة فإنه لا يزال بيننا من "يعْدي مع الذئب ومن يجْفلُ مع الغنم في الوقت ذاته"، مع أنَّ الدائرة ستدور على هؤلاء لا محالة، وأنَّ من يفطر بشقيقك فسيتعشى بك لا محالة.

  لماذا هذا الكلام الآن؟ وهل هو من قبيل جلد الذات؟! أبداً... إنه التمهيد لقول الحقيقة، والحقيقة أنه بينما تفرض علينا إيران، التي يُفترض أنها دولة "شقيقة" أعداؤها أعداؤنا وأصدقاؤها أصدقاؤنا، هذا التحدي وهذه المواجهة في الوقت الذي نواجه تحديات كثيرة وأعداءً كثيرين، نجد أنَّ هناك من بيننا "مُتسرِّبين" أقدامهم معنا ورؤوسهم وقلوبهم ليست عند الذين يحكمون هذه الدولة المجاورة بالحديد والنار وبأعواد المشانق، بل عند أقدامهم، للأسف، والمقصود هنا ليس الأفراد ولا الأحزاب والتنظيمات بل بعض الدول التي اعتادت الوقوف في المساحات الرمادية.

 وهكذا فما ان تم توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ"5+1" بقيادة الولايات المتحدة حتى سارع "المؤلفة قلوبهم" إلى "الاندلاق" على إيران، مثلهم كمثل العديد من الدول الغربية التي ساقتها مصالحها الاقتصادية إلى القفز من فوق خلافاتها المزمنة مع دولة الولي الفقيه، والمسارعة إلى حجيج كيْفي إلى طهران، وقراءة آيات التوبة أمام مرشد الثورة.

 ربما يكون مع هؤلاء الحق كله، فالمصالح هي التي تحدد توجهات الدول ومواقفها، لكن في الحقيقة هذا لا ينطبق على بعض الأشقاء العرب الذين كان عليهم ألا "يستعجلوا" الأمور، وأن يطالبوا إيران، قبل "الاندلاق" عليها كل هذا الاندلاق، بوقف تمددها في هذه المنطقة، وإنهاء تدخلها السافر والمكشوف في الشؤون الداخلية العربية، على غرار ما هو جارٍ في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.

  وهذا الاندلاق بادر إليه "بعضنا بلا قيدٍ ولا شرط، وكأنه ليست هناك حرب طاحنة تدور رحاها في اليمن هي في الحقيقة ضد دولة الولي الفقيه التي لولا "عاصفة الحزم" لكانت الآن على وشك استكمال "طوْقها" لدول مجلس التعاون الخليجي!

  إنه غير جائز أن يكون هناك مثل هذا "الاندلاق" وإيران "الشقيقة" بلسان مرشد ثورتها علي خامنئي تؤكد أنه لا تغيير إطلاقاً في سياساتها ومواقفها بالطبع في هذه المنطقة، بعد توقيع اتفاقية النووي، وأنها ستواصل مساندتها لـ"المستضعفين" في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين... وغير جائز أن يكون هناك مثل هذا "الاندلاق" على إيران بينما يبادر الأشقاء العراقيون، وفي مقدمتهم الشيعة بتوجيهات مرجعية النجف الأشرف العربية والسيدين الكبيرين علي السيستاني ومقتدى الصدر، إلى هذه الانتفاضة القومية، ويهتفون بأعلى أصواتهم إيران برّا برّا!