حياة مليارات الناس لقرون قادمة ستكون على المحك، عندما يلتقي قادة العالم ومفاوضو الحكومات في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس نهاية الشهر الجاري، وكذلك مصير عدد غير محدد من أنواع النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض.

Ad

وقعت 189 دولة، من بينها الولايات المتحدة الأميركية والصين والهند وجميع الدول الأوروبية، خلال "قمة الأرض" في ريو دي جانيرو سنة 1992 معاهدة الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، ووافقت على الإبقاء على انبعاثات غاز الدفيئة في مستوى منخفض لدرجة تمنع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي.

لكن حتى الآن لم يتم تحقيق مثل ذلك الاستقرار، وبدونه فإن العمليات التي تؤثر سلباً على المناخ يمكن أن ترفع درجات حرارة الأرض بشكل أكبر، والتناقص الحاصل في جليد القطب الشمالي يعني أنه يوجد جليد أقل ليعكس أشعة الشمس، مما يعني أن المحيطات سوف تمتص المزيد من الحرارة، كما أن ذوبان طبقة الجليد الدائمة السيبيرية سوف يطلق كميات كبيرة من الميثان، وكنتيجة لذلك فإن مناطق واسعة من كوكبنا والتي تضم حالياً مليارات البشر يمكن أن تصبح غير صالحة للسكن.

وقد سعت المؤتمرات السابقة لمعاهدة الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي للتوصل إلى اتفاقيات ملزمة قانوناً تتعلق بتخفيضات الانبعاثات، على الأقل للدول الصناعية، والتي تنتج معظم غازات الدفيئة الآن في الغلاف الجوي، غير أن الاستراتيجية تعثرت، ويرجع ذلك جزئيا الى تعنت الولايات المتحدة تحت ظل حكم الرئيس جورج بوش الابن، لذا تم التخلي عنها عندما فشل مؤتمر كوبنهاغن في التوصل لمعاهدة تستبدل بروتوكول كيوتو المنتهي (والذي لم توقعه الولايات المتحدة على الإطلاق)، وعوضا عن ذلك اكتفت اتفاقية كوبنهاغن بالطلب من البلدان تقديم تعهدات طوعية لتخفيض الانبعاثات بكميات محددة.

لقد جاءت التعهدات من 154 دولة، بما في ذلك من دول تعتبر مصدراً رئيسياً للانبعاثات، وهذه التعهدات هي أقل بكثير من المطلوب، وحتى نفهم الهوة بين ما سوف تحققه التعهدات، وما هو المطلوب، فنحن بحاجة إلى العودة الى اللغة التي قبلها الجميع في ريو.

لقد كانت الصياغة غامضة في ما يتعلق بنقطتين، أولاهما: ما هو الذي يعتبر "تدخلاً بشرياً خطيراً في النظام المناخي"؟، وثانيا: ما هو مستوى السلامة الذي يفترضه المصطلح "منع"؟

والغموض الأول قد تم حله عن طريق القرار الذي يستهدف تحقيق مستوى انبعاثات ستحدد الزيادة في معدل درجة الحرارة السطحية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستوى الحقبة قبل الصناعية، في وقت يعتبر العديد من العلماء أنه حتى زيادة أقل ستكون خطيرة، علماً أنه حتى مع زيادة تصل إلى 8 درجات مئوية حتى الآن، شهد الكوكب درجات حرارة ذات مستويات قياسية وأنواء مناخية أكثر قساوة وذوباناً كبيراً في الغطاء الجليدي في غرينلاند، والذي يضم مياهاً تكفي لأن تتسبب في ارتفاع مستويات سطح البحر بمقدار سبعة أمتار، وفي كوبنهاغن فإن مناشدات ممثلي دول الجزر الصغيرة (بعضها سوف يمحى من الوجود إذا استمرت مستويات سطح البحر في الارتفاع) بأن يكون الهدف 5.1 درجات مئوية، لم تلق آذانا صاغية، وذلك نظراً لأن قادة العالم اعتقدوا أن الإجراءات المطلوبة لتحقيق مثل هذا الهدف كانت غير واقعية من الناحية السياسية.

أما الغموض الثاني، فلا يزال موجوداً، إذ حلل معهد أبحاث غرانثام، التابع لكلية لندن للاقتصاد، التعهدات الصادرة عن 154 بلداً، واستنتج أنه حتى لو تم تطبيقها جميعها فإن انبعاثات الكربون العالمية سترتفع من مستواها الحالي، الذي يصل إلى 50 مليار طن بالسنة إلى 55-60 ملياراً بحلول سنة 2030، ولكن حتى نحصل على فرصة 50 في المئة للإبقاء على حد درجتين مئويتين، فإن انبعاثات الكربون السنوية تحتاج لأن تنخفض لتصل إلى 36 مليار طن.

إن تقريراً من مركز أستراليا الوطني لاستعادة المناخ يثير القلق كذلك، إذ إن مستوى الانبعاثات في الغلاف الجوي اليوم تعني أن لدينا فرصة 10 في المئة لتجاوز درجتين مئويتين، حتى لو أوقفنا إضافة انبعاثات أخرى الآن (وهذا لن يحصل).

تخيل لو قامت شركة طيران بتخفيض إجراءات الصيانة إلى مستوى فيه فرصة 10 في المئة ألا تكمل طائراتها رحلاتها، فلن تستطيع الشركة الادعاء بأنها منعت الطائرات الخطيرة من الطيران، وسوف تجد القليل من الزبائن حتى لو كانت رحلاتها أرخص بكثير من أي شركة أخرى، وبطريقة مماثلة إذا أخذنا في الاعتبار نطاق الكارثة التي يمكن أن تنتج عن "التدخل البشري الخطير في النظام المناخي" فإن علينا ألا نقبل فرصة 10 في المئة- ان لم تكن اعلى من ذلك بكثير- لتجاوز درجتين مئويتين.

ما هو البديل؟

سوف تجادل الدول النامية في أن حاجتها للطاقة الرخيصة من أجل انتشال شعوبها من براثن الفقر أكبر من حاجة الدول الغنية للمحافظة على المستويات المبذرة من استهلاك الطاقة، وبالطبع لدى تلك الدول الحق في ذلك، ولهذا السبب ينبغي على الدول الغنية أن تستهدف نزع الكربون من اقتصاداتها بالسرعة الممكنة، وبحلول سنة 2050 على أبعد تقدير. ويمكن لتلك الدول البدء باقفال النموذج الأقذر لاستهلاك الطاقة، وهو محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ورفض الترخيص لتطوير مناجم فحم جديدة.

ومن المكاسب السريعة الأخرى ما يمكن أن يأتي من تشجيع الناس على تناول أطعمة نباتية أكثر، وربما يمكن عمل ذلك عن طريق فرض ضرائب على اللحوم واستخدام الإيرادات من أجل دعم بدائل أكثر استدامة، وطبقاً لمنظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة فإن صناعة الماشية هي ثاني اكبر مصدر لانبعاثات غاز الدفيئة، أي أنها تتقدم على قطاع النقل، وهذا يعني أن هناك إمكانية كبيرة لتخفيض الانبعاثات، وبطرق سيكون لها تأثير أقل على حياتنا، مقارنة بوقف جميع استخدامات الوقود الاحفوري، علما انه طبقا لتقرير صدر مؤخراً من منظمة الصحة العالمية فإن تخفيض استهلاك اللحوم المصنعة واللحوم الحمراء سيكون له فائدة إضافية تتمثل في تخفيض وفيات السرطان.

هذه الاقتراحات قد تبدو غير واقعية، ولكن أي شيء أقل من ذلك سيشكل جريمة ضد مليارات البشر الأحياء، والذين لم يولدوا بعد، وضد كل البيئة الطبيعية لكوكبنا.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ الأخلاقيات البيولوجية من جامعة برنستون وأستاذ فخري في جامعة ملبورن، وتتناول كتبه تحرير الحيوانات والأخلاقيات العملية، والحياة التي يمكن أن تنقذها، وآخر كتبه هو «افضل أنواع الخير التي يمكن أن تعملها».

«بروجيكت سنديكت» بالاتفاق مع «الجريدة»