كنا نجلس على شاطئ النيل في انتظار «أوردر» المخرج داود عبد السيد إيذاناً بتصوير مشهد القارب النيلي في فيلم «البحث عن سيد مرزوق» (1991)، وإذا بالنجم الكبير نور الشريف يباغتني بالسؤال: «من أين جاءك الإحساس أن فيلم «كتيبة الإعدام» يستلهم وقائع ما جرى على يد تنظيم «ثورة مصر»؟».

Ad

لحظتها أدركت أن السؤال يؤرقه، وهو الشعور الذي أيقنت منه عندما سألني من جديد: «هل تحدثت مع أسامة حول هذا الأمر؟» وكان يُشير إلى الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، مؤلف الفيلم، فأجبته بالنفي لكنني سقت له الكثير من الدلائل التي تؤكد ما ذهبت إليه في قراءتي للفيلم، بداية من إنتاجه في العام 1989، أي بعد ثلاث سنوات من القبض على أعضاء تنظيم «ثورة مصر» في سبتمبر من العام 1987، وانتهاء بمضمون أحداثه التي تتناول قصة ثلاثة رجال (نور الشريف وممدوح عبد العليم وشوقي شامخ) وامرأة (معالي زايد) كونوا تنظيماً سرياً في ما بينهم استهدف تعقب أحد عملاء «الموساد» الإسرائيلي في مصر، وإعدامه رمياً بالرصاص جزاء لخيانته، وتواطؤه لحساب العدو أثناء حصاره لمدينة السويس في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1973، وهي الفكرة نفسها التي تأسس عليها تنظيم «ثورة مصر»، الذي ولد في العام 1984 واستهدف تصفية عملاء «الموساد» في مصر، سواء الذين دخلوا البلاد بحجة السياحة أو تدثروا بعباءة الحصانة الديبلوماسية، ونجح في تنفيذ عدة عمليات ناجحة، حتى تم القبض على أعضائه في سبتمبر من العام 1987، بسبب وشاية قذرة من شقيق زعيم التنظيم!

لا أعرف حتى هذه اللحظة إذا كانت قراءتي لفيلم «كتيبة الإعدام»، الذي كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه عاطف الطيب وتحمس لبطولته نور الشريف، صائبة أم أنني جنحت إلى المبالغة، وحمّلت الفيلم أكثر مما يحتمل، لكن توقف النجم نور الشريف عند هذا المقال تحديداً، وإلحاحه لمعرفة ما إذا كانت قراءتي، وربطي بين ما طرحه الفيلم وتنظيم «ثورة مصر»، نتاج اجتهاد شخصي أم «تسريب» من الكاتب أسامة أنور عكاشة، وسعادته التي بدت على ملامحه فور اطمئن أنه اجتهاد شخصي من جانبي، تحملني على الظن أنني نجحت في التوصل إلى ما تحت السطور في فيلم «كتيبة الإعدام»، الذي أتصور أن  صانعيه توقعوا أن تجرّ التجربة عليهم الكثير من المتاعب، إذا ما أعلنوا عما في صدورهم، وأفصحوا عما في نياتهم، ومن ثم اختاروا العمل بمقولة «الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح»، واتفقوا في ما بينهم على التكتم على رسالة وهدف الفيلم الذي أنتج في العام 1989 ، لكنهم دفعوا – في رأيي- الثمن غالياً، إذ  فشلت «كتيبة الإعدام»  في تحقيق المردود السياسي الذي كان يمكن أن تحصده في حال الكشف عن أهدافها وتوجهاتها،  كما فقدت التعاطف الشعبي الذي كان ينتظرها في حال التفّ  النقاد والصحافيون والإعلاميون حولها، وتمجيد الدور الذي قدمه الفيلم في ما يتعلق بإعادة الاعتبار إلى تنظيم «ثورة مصر»، وهو ما تحقق بدرجة ما عند العرض التلفزيوني رغم ندرته!

المحزن في الأمر أن فيلم «كتيبة الإعدام» يُعد، مع سيناريو فيلم «دماء على الأسفلت»، من أفضل ما كتب أسامة أنور عكاشة للسينما المصرية، سواء من حيث البناء القوي أو الابتعاد عن المباشرة، وعدم الوقوع في فخ الخطابة السياسية، رغم أهمية القضية التي تناولها وحساسيتها، وهي مناسبة للقول إن الفيلمين من إخراج عاطف الطيب وبطولة نور الشريف، الذي جسد في «كتيبة الإعدام» شخصية الجندي المتّهم ظلماً بخيانة رفاقه أثناء حصار السويس، والاستيلاء على رواتبهم، ولما غادر السجن آل على نفسه كشف الحقيقة، ويتوصل إلى المجرم الخفي، رغم سحب الشك التي تطارده من الجميع، وأولهم أقرب الناس إليه، حتى نجح في فك غموض الجريمة، وتوصل إلى «فرج الأكتع» - عبد الله مشرف – الذي اختار لنفسه اسماً جديداً هو «عزام أبو خطوة» وتزوج امرأة «عز الرجال»، فالأسماء في فيلم «كتيبة الإعدام» لها دلالات لا يمكن تجاهلها، أو المرور عليها من دون التوقف عند مغزاها، البطل اسمه «حسن عز الرجال» وهو اسم على مسمى، وابنة الشهيد التي تبحث عن الثأر لأبيها «نعيمة الغريب» - معالي زايد – كتحية من المؤلف للسويس بلد «الغريب»، والخائن اسمه «فرج الأكتع» في تشويه واضح على الصعيدين الخلقي والأخلاقي، و{عزام أبو خطوة» يحمل إسقاطاً على عصر الهوان والتفريط الذي جعل من أباطرة الفساد والعملاء والخونة «أصحاب حظوة» ونفوذ!