كردستان تبتعد عن «الحليف الشيعي» من واشنطن إلى الرياض
لم يعد «اهتزاز الثقة» بين إدارة الإقليم الشمالي الكردي والقوى الشيعية الحاكمة في بغداد، مجرد ارتباك سياسي أنتجته حرب «داعش» ونقص الموارد، كما أن المحللين لم يعودوا قادرين على التنبؤ بما ستؤول إليه العلاقة التاريخية المتماسكة بين أكراد الشمال وشيعة الجنوب.وارتفعت موجة الكراهية بين الذين بدا أنهم متشددون، شيعة وأكراداً، إثر مواجهات مسلحة بين الطرفين في طوزخورماتو - جنوب كركوك، وذلك دفع القوى المعتدلة إلى الحث على ضبط النفس، لحفظ «المصالح التاريخية المشتركة» بين الشيعة والأكراد، إلا أن مسار التطورات في المنطقة قد يضاعف هذه الفجوة، ويشجع أربيل على الذهاب بعيداً، لتتجاوز السياسة الشيعية «المترددة والمرتهنة بمواقف طهران في الغالب»، على حد وصف مصادر رفيعة في أربيل.
وحين أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأربعاء الماضي، أنه أبلغ بغداد، أن بلاده ستبدأ للمرة الأولى، نشر قوات خاصة برية، لدعم جهود الاستشارة والإسناد في معارك الأنبار غرباً، وسنجار والموصل شمالاً، سارع الأكراد إلى الترحيب بهذه المرحلة الجديدة من «التورط الأميركي» في الحرب على «داعش»، في حين أعرب أكثر من مسؤول شيعي عن شعورهم بالقلق إزاء هذه الخطوة، مستشعرين بأن طهران وأنصارها من المسلحين في العراق قد يغتنمون هذه الفرصة، لتوجيه مزيد من الانتقاد القاسي والتصرفات المفاجئة ضد حكومة حيدر العبادي، العاجز إلى حد ما عن الاحتفاظ بموقف متوازن بين محور روسيا وإيران، والتحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركا. وسرعان ما بدأت الميليشيات المقرَّبة إلى الحرس الثوري الإيراني، بتوجيه انتقاد جديد للأكراد، الذين «يعملون بلا حذر مع الجيش الأميركي»، مهددين باستهداف مصالح واشنطن في العراق، بعد أن هددوا باستهداف مصالح الأكراد في جنوب العراق، إذ سجلت حوادث اعتداء وقتل قام بها مسلحون شيعة ضد رجال أعمال أكراد، بتهمة التعاون مع أميركا وإسرائيل.وإذ فضلت أربيل عدم إثارة هذا الموضوع، فإنها تعمل بصمت على تعزيز تحالفاتها الإقليمية... فبينما تبدو القوى الشيعية مترددة مع المحيط العربي، انتظاراً لما سيؤول إليه الملفان السوري واليمني، وافتقاداً للجرأة الكافية على تجاوز قيود السياسة الإيرانية، بدأ مسعود البرزاني (رئيس الإقليم الكردي) جولة خليجية، قادته في محطتها الأولى إلى الرياض.وفي صورة صحافية نادرة، بدا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو يُمسك بيد البرزاني، بنحو لافت أثناء الترحيب به، وأثار ذلك حفيظة معلقين مقرَّبين إلى الجناح المتشدد في السياسة الشيعية، معتبرين أن الرياض تريد إيصال رسالة إلى بغداد، عبر هذا الترحيب الحار، وهي رسالة «ضد مصلحة الشيعة».ويواجه الأكراد مأزقاً مالياً حاداً في حربهم على «داعش»، وعجز بترولهم الرخيص عن سد النقص الحاصل في الموازنة، بعد قطع بغداد تمويلها للإقليم منذ نحو عامين. ويتردد أن الحكومة العراقية ستقطع مطلع العام المقبل حصة الأكراد من القمح والدواء، وذلك سيضاعف الأزمة بنحو أكبر، ويدفع أربيل للبحث عن تدعيم علاقتها بالمحيط العربي، الذي بقي متردداً في تطبيع علاقته مع العراق منذ أزمة الثقة التي كرَّسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتأخر خلفه حيدر العبادي في تخفيفها، رغم التفاؤل الواسع الذي رافق وصوله إلى السلطة خريف العام الماضي.