العرب وثقافة اليابان (2-2)
وفقاً لتجربة يابانية خالصة مرّ بها المستشار الأكاديمي في المعهد العربي الإسلامي في طوكيو، والمدير التنفيذي لجمعية مسلمي اليابان، فإن من أسباب تعلمه اللغة العربية اهتمامه الشديد بالإسلام وانتشار الحركات المشجعة على تعلم اللغة العربية، مع انتشار أكثر من أربعين جامعة في اليابان تدرس «العربية».
نشرت صحيفة الأهرام في 15 يناير 2015، مقالا للدكتور كرم خليل تحدث فيه عن المؤتمر الذي عقد في نوفمبر 2014، وتزامن مع مناسبة زيارة رئيس وزراء اليابان لمصر جاء فيه: "احتفل قسم اللغة اليابانية بجامعة القاهرة أعرق أقسام اللغة اليابانية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي في شهر نوفمبر الماضي من عام 2014 بمرور 40 عاماً على نشأة القسم في احتفالية كبرى بجامعة القاهرة وتأتي زيارة رئيس وزراء اليابان لمصر غدا لتعزز حديثنا أيضا حول ما يعكسه قسم اللغة اليابانية في جامعة القاهرة من قوة ناعمة من قبل اليابان لنشر الثقافة اليابانية في منطقتي الشرق الأوسط والعالم العربي فمنذ نشأة القسم عام 1974م بعد حرب أكتوبر 1973م مباشرة وأزمة النفط على المستوى العالمي.... حيث شعرت دولة اليابان بالحاجة الملحة للتقارب من الشرق الأوسط والعالم العربي وخاصة مصر القوة المركزية في العالم العربي، فأول ما فكرت الحكومة اليابانية في تأسيس هذا المركز التعليمي، اتجهت إلى مصر القوة الفعالة والمؤثرة في منطقتي الشرق الأوسط والعالم العربي".وأضاف د. كرم مبيناً الآفاق الثقافية للعلاقات المصرية- اليابانية، وقال إن الحكومة اليابانية زرعت البذرة عام 1974 وكان الحصاد بعودة المبعوثين عام 1987، وتعددت أقسام اللغة اليابانية في جامعة عين شمس وجامعة أسوان وجامعات أخرى خاصة، كما اتسع نطاق الاهتمام باللغة اليابانية وثقافتها الى جامعات عربية أخرى في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة قطر.وقال: "الجدير بالذكر أن بعض خريجي القسم أيضا استطاعوا تقلد المناصب الدبلوماسية بسفارة مصر بطوكيو وبالسفارات العربية بدولة اليابان... أما في الشأن التجاري فقد استطاع بعض خريجي القسم إنشاء الشركات التجارية التي تعمل على إنعاش التبادل التجاري بين البلدين.وانتشرت بفضل هذا القسم الكثير من المراكز والجمعيات الثقافية اليابانية الخاصة التي تهتم بتعليم اللغة والثقافة اليابانية، وعليه انتشرت في الآونة الأخيرة ثقافة الأكل الياباني مثل الطعام الياباني (السوشي) بين الشباب المصري وثقافة الأنيميه والكارتون الياباني مثل "الكابتن ماجد" و"درايمون" وغيرها... وأيضا ثقافة "النينجا" وثقافات يابانية أخرى دخلت مصر والعالم العربي وهي مدبلجة باللغة العربية، وفي أواخر القرن الماضي دخلت الكلمات اليابانية في قاموس الحياة المصرية كلمة "تسونامي" و"الساموراي" و"الجودو" و"الكاراتيه" وكلمة "الكابوكي" التي انتشرت وقت افتتاح دار الأوبرا المصرية بمعونة يابانية، والكلمات اليابانية الأخرى التي يرددها شباب مصر عند مشاهدتهم أفلام الكارتون اليابانية واسعة الانتشار في العالم العربي، وانتشر أيضا على المستوى الإعلامي المسلسل التلفزيوني الياباني "أوشن" الذي كانت العائلة المصرية تنتظره بشغف شديد لمشاهدته، وهناك بعض الشركات التي تحمل أسماء يابانية مثل "أوشن" و"ساكورا" وكلمة "فوجي" نسبة إلى أشهر جبل في اليابان". وكان د. كرم خليل قد تحدث في موقع Nippon.com المؤرخ في 1/ 10/ 2012 عن أوضاع دراسة اللغة اليابانية في الدول العربية بمناسبة قدومه لليابان للمشاركة في حفل استلام جائزة "جابان فاونديش" لعام 2011، المخصصة للأفراد أو المؤسسات التي تخدم التفاهم المتبادل بين اليابان والدول الأجنبية، وذلك بعد أن وقع الاختيار على قسم اللغة اليابانية بجامعة القاهرة ليفوز بالجائزة.وتناول د. كرم في المقابلة تجربته الشخصية وتطور الاهتمام بالثقافة اليابانية ما بين 1976-2012 فقال:"لقد التحقت بالجامعة عام 1976، لكن من حينها تغير الدافع وراء الالتحاق بقسم اللغة اليابانية بصورة كبيرة، فقد شهدت سبعينيات القرن الماضي استمرار نمو الاقتصاد الياباني مما أثار اهتمام الكثير من الطلبة الذين رغبوا في دراسة اللغة اليابانية لمعرفة السبب في تقدم الاقتصاد الياباني، لقد كان دافعا قويا الى حد كبير.ومع دخول حقبة الثمانينيات ومع إذاعة حلقات الـNHK الدرامية "أوشن" في البداية في مصر، ومن ثم في الدول العربية الأخرى أثار ذلك إعجابا مفاجئا وغير عادي باليابان. أعتقد أن البداية كانت من هنا لازدياد الرغبة في الإحساس باليابان عن قرب وتعلم اللغة اليابانية.ثم مع دخول حقبة التسعينيات كانت الرسوم المتحركة والمانغا خاصة "كابتن تسوباسا" (معروف باسم كابتن ماجد في الدول العربية) الذي كانت له شعبية طاغية في النسخة العربية من هذه الرسوم المتحركة تحول اسم البطل من تسوباسا إلى اسم عربي وهو "كابتن ماجد"، ولهذا السبب زاد عدد الطلبة الذين رغبوا في قراءة المانغا بلغتها اليابانية الأصلية منبهرين بسحر ثقافة الرسوم المتحركة والمانغا اليابانية. ومع دخول القرن الحادي والعشرين وزيادة عدد السائحين اليابانيين استمر هذا الاتجاه مع أفلام الرسوم المتحركة للمخرج مياراكي هاياوه "خدمات توصيل الساحرة" و"الجار طوطورو" طوناري توتورو، ومؤخرا أصبحت الدراما اليابانية ذات شعبية كبيرة على الإنترنت والفضائيات".وعن المحاضرات التي تحظى بشعبية لدى الطلبة أجاب "محاضرات الترجمة لها شعبية لدى الطلبة مثلا: محاضرات ترجمة سيناريو الجار طوطورو لها شعبية هائلة، أيضا محاضرات المحادثة، وهذا لأن المصريين محبون للكلام، لكن ما يؤرق في محاضرات المحادثة هو استعمال الطلبة لجمل محفوظة كما هي. العرب بارعون في الحفظ لأنهم يحفظون القرآن لذلك يميل الطلبة لحفظ جمل كاملة، لكن في الأغلب لا يوجد مواقف يتم فيها استخدام جمل الكتاب كما هي في المحادثات الحقيقية في الواقع"... (لا تعليق).وعن تنافس اليابانية مع اللغات الأخرى في مصر قال: "مؤخرا في مصر الإقبال على تعلم اللغة الإنكليزية غير عادي، يرجع هذا إلى صعوبة الحصول على عمل دون إتفان اللغة الإنكليزية، مما أدى إلى إهمال اللغة العربية ولكن لا خوف من سيطرة اللغة الإنكليزية على لسان المصريين لأن نفوسهم مشبعة بالقرآن الكريم الذي لا يمكن محوه، لكن على الرغم من ذلك أتمنى أن يهتم الطلبة أكثر بلغتهم الأم".هل ينجم عن تزايد اهتمام المصريين وربما العرب عموما باللغة اليابانية، اتجاه الكثيرين من الطلبة نحو الثقافة اليابانية بمختلف مجالاتها؟ كلا في الواقع! كما أن الدعم المادي لا يزال متواضعا. يقول د. كرم "يتناقص عدد الطلبة الذين يسعون إلى دراسة اليابانية، من الناحية الأكاديمية على سبيل المثال يغيب عدد كبير من الطلبة عن محاضرات التاريخ والأدب الياباني، فاليابانية لا تقتصر على الثقافة الشعبية ولكن فيها أيضا ثقافة تقاليد شديدة العمق، ولكن لا تسمح هذه الظروف بإيصالها، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية أن يجعل الطالب يدرك جوهر وروح الثقافة اليابانية.علاوة على ذلك فإن مرتبات هيئة التدريس بالجامعة زهيدة جدا، لذلك لا نستطيع أن نقول عنها إنها من المهن ذات الجاذبية الاقتصادية، وللأسف يتجه الكثير من الطلبة لمهنة المرشد السياحي ذات الدخل المرتفع، فقط عدد قليل من الطلبة ممن يرغب في أن يصبح مدرسا للغة اليابانية، وهناك بعض مدرسي اللغة اليابانية الموهوبين في ترجمة الروايات اليابانية المعاصرة لكن بشكل عام مازالت الكوادر المتميزة قليلة في مصر".ونشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية في 10/ 5/ 2015 تفاصيل جلسة حوارية في خيمة معرض أبوظبي للكتاب، ناقشت واقع اللغة العربية ومستقبلها في اليابان، شارك فيها عدد من الأكاديميين والمختصين، من بينهم "د.ماكوتو ميزوتاني" المستشار الأكاديمي في المعهد العربي الإسلامي في طوكيو، والمدير التنفيذي لجمعية مسلمي اليابان:"وتوقف الدكتور ماكوتو ميزوتاني بلغة عربية سليمة عند الدوافع التي شغلته ودفعته لتعلم اللغة العربية والتعمق في معانيها ومداولاتها، فساهم بها اهتمامه الشديد بالدين الإسلامي وانتشار الحركات المشجعة لتعلم اللغة العربية في اليابان مع انتشار أكثر من أربعين جامعة في اليابان تدرس اللغة العربية، وتعلم أصولها ومبادئها، مستعرضا تجربته في الترجمة من اللغة اليابانية الى العربية منها كتاب "الأديان في اليابان بين الماضي والحاضر" وتجربته مع العربية بعد زيارته وعمله في عدة دول عربية عبر البعثات الدبلوماسية والجامعية.من جانبها تحدثت الدكتورة أكيكو سومي عن مفعول وتأثير كتاب "النبي" لجبران خليل جبران المترجم لعدة لغات عالمية منها اليابانية في دفعها إلى التخصص الجامعي في الأدب العربي، والعمل على ترجمة كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى اللغة اليابانية وتدريسها للطلبة اليابانيين من بوابة الأدب والفكر الأكثر قدرة على فهم الآخرين، بعيدا عن الهيكل والظاهر في طبيعة الاختلاف بين الثقافات.وأشارت د. سومي إلى دور فوز كل من المؤرخ الياباني سوجيتا هايدياكي وهاناوا هاروو بجائزتي الشيخ زايد للكتاب بجائزتي "الثقافة العربية في اللغات الأخرى" والترجمة في نشر اللغة العربية وتصحيح الصورة النمطية المعروفة عن العرب والمستمدة من أحداث وثقافة سطحية ساهمت بها الظروف المحيطة".وللذين يهتمون بتعلم اللغة اليابانية، يقول تقرير في موقع إلكتروني تاريخه 16/ 7/ 2011 عن سفارة اليابان في المملكة العربية السعودية "يوجد قسم للغة اليابانية في كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود في الرياض بمناهج مدتها أربع سنوات، ويوجد حاليا دورة للغة اليابانية في قسم الرجال فقط، أما بالنسبة إلى البنات فيستعد قسم النساء في جامعة الملك سعود وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لفتح فصول تعليم اللغة اليابانية ابتداء من عام 2012".وأقول: ما كدنا نهتم ونلتفت إلى اليابان حتى برزت الصين!