بورتوريكو قد تقدّم الأجوبة لأوروبا
كان من الممكن وقف الأزمة اليونانية قبل سنوات، لو أن السياسيين الأوروبيين تخلوا عن عنادهم، فكان يلزم أن يتبعوا المثال الذي رسمته الولايات المتحدة في تعاملها مع مشاكل بورتوريكو.تملك الولايات المتحدة في بورتوريكو اليوم نسختها الخاصة من اليونان، فقد أصبحت ديون هذه المنطقة غير مستدامة، وتضخمت وظائف القطاع العام ومعاشات التقاعد، وازدهرت أيضاً السوق السوداء، حيث يمكن التهرب من الضرائب، بالإضافة إلى ذلك، افتقر هذا البلد إلى البنية التحتية، واعتُبرت صادرات الكومنولث ضئيلة بالنسبة إلى اقتصاد بهذا الحجم، كذلك ترك كثيرون البلد بحثاً عن فرص حقيقية، وبما أن تشكل هذه المشاكل استغرق وقتاً طويلاً، فلا شك أن إصلاحها سيستلزم سنوات.
إذاً تُعتبر بورتوريكو في الواقع اليونان بحلة أخرى، ولكن هل تتخيل أن الولايات المتحدة قد تعلّق كل السياسات المحلية والخارجية الأخرى، وهي تحاول حل هذه الأزمة؟ الفكرة سخيفة، لكن هذا ما تفعله أوروبا راهناً.أخفقت أوروبا في التوصل إلى اتفاق شامل بشأن كيفية التعامل مع مشكلة شعب المراكب على البحر الأبيض المتوسط، كذلك فشلت في التصدي بفاعلية لانتهاكات فلاديمير بوتين في أوكرانيا وتهديداته المبطنة لأوروبا الشرقية، في حين راحت تراقب أثينا كيف تتقرب من مدار موسكو، فضلاً عن ذلك لم تنجح في إعداد رد فعل شامل في الشأن السوري أو حتى إيلاء هذه المشكلة اهتماماً مستداماً.تعود هذه المشكلة في جزء منها إلى أن القادة الأوروبيين وشعوبهم منشغلون ومنهكون بسبب سلسلة لامتناهية من تقارير أزمة اليورو والاجتماعات الطارئة في وقت متأخر من الليل، ولا شك أن تعامل الحكومة اليونانية صعب وكثير التقلبات، إلا أن القادة الأوروبيين ساهموا بعنادهم في نشوء هذه المشكلة.بدّى هؤلاء القادة مصالح مصارفهم على مصالح الشعب اليوناني، رافضين التفكير في تخفيض حقيقي للدين اليوناني، عندما علت الأصوات المطالبة بهذه الخطوة عام 2010، ولتبرير موقفهم روّجوا لفكرة أن من الضروري تسديد الدين، حتى تحولت إلى ما يشبه العقيدة الدينية.ما زال هؤلاء القادة متمسكين برفضهم رغم مرور خمس سنوات، ولا تزال اليونان تطالب بخفض الدين، وستحصل على مطلبها في النهاية، رغم معارضة وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبل، ولن تشهد هذه الأزمة أي حل حتى ذلك الحين، ولكن من المؤسف أن أوروبا ستواجه أشهراً أو حتى سنوات إضافية من المفاوضات العقيمة قبل بلوغ هذه المرحلة. ستشكل فكرة "الاتحاد الأكثر تقارباً"، التي تتضمنها معاهدة روما، للأسف أكبر ضحية لهذه التطورات، إذ اعتقد هلموت كول وآخرون أن التكامل المالي الأعمق سيقود منطقياً وحتماً إلى تكامل سياسي أعمق، وأن هذا التكامل السياسي الأعمق سيمهد الطريق أمام استراتيجية نمو اقتصادي مشتركة وسياسة خارجية أوروبية مشتركة.ولكن من المؤسف أن العكس كان الصحيح: وسّعت تفاعلات اليورو الهوة بين الحكومات الأوروبية وشعوبها، فبينما واصل القادة التحدث بلغة التعاون والتكامل الأعمق، لم تلمس الشعوب أياً من كل هذا، ونتيجة لذلك عادت المصالح الوطنية الضيقة لتثبت ذاتها في مختلف أرجاء أوروبا.تُظهر الوقائع أن تفادي هذا التبدل الكارثي مستحيل، فهو يعود إلى الطريقة الكارثية التي أديرت بها هذه الأزمة، فكان من الممكن حل هذه الأزمة مع القليل من المرونة الفكرية عام 2010، لو أن اليونان حظيت بخفض للدين مقابل إصلاحات بنيوية عميقة، وهكذا كان هذا البلد سيتفادى تراجع الـ25% في ناتجه المحلي الإجمالي الذي عاناه عام 2007، وما كان المقترعون المستاؤون ليشعروا بضرورة معاقبة الطبقة السياسية بانتخاب مجموعة من المبتدئين المتشددين، وكانت أوروبا ستنجح في تخطي الأزمة اليونانية لتعود إلى أعمالها المعتادة.سيمرر الكونغرس الأميركي في المرحلة الراهنة تشريعاً يمنح بورتوريكو الحق باللجوء إلى محاكم الإفلاس الأميركية، وهكذا ستُعاد هيكلة دينها، وسيرى كل مَن كانوا متهورين كفاية لإقراضها المالي مطالباتهم تخفض بشكل كبير. وعندما تتخلص حكومة هذه الجزيرة من عبء دينها الساحق وتتفاعل مع الإصلاحات، فستمدها الولايات المتحدة بالمزيد من المساعدة.لكن أخبار بورتوريكو لن تحظى بأهمية كبيرة على الأرجح، فسيصب صناع السياسات كل اهتمامهم على الاقتصاد الأميركي المتنامي، وسيقدمون الاقتراحات حول كيفية التعاطي مع مشاكل عدم المساواة والعنف في هذا البلد، كذلك سيسعون إلى تحقيق أجندة في مجال السياسة الخارجية هدفها التكيّف مع دولة صينية أكثر قوة، وعاصمة روسية أكثر عدائية، وتنظيم إسلامي أكثر تدميراً.ولكن هل ينجحون؟ علينا أن ننتظر لنرى، ويجب ألا نستخف بقدرة السياسيين الأميركيين على ارتكاب الأخطاء، لكن بورتوريكو ستبقى مجرد تلهية عابرة، ونتمنى لو أن الأمر عينه يُطبق على اليونان.* باري أيكنغرين