ترانيم أعرابي: عيد الأوراق
العيد مصدر سعادة وإلهام لنا جميعا، ففيه ننسى أتراحنا وأحزاننا ولو لدقائق معدودة، يومان في السنة يدفعاننا للتفكير بقيم السعادة والتسامح والتعايش؛ فهرمونات التفاؤل والإيجابية والصفح ترتفع بشكل عال جداً في صباح يوم العيد!ليس هذا موضوع المقال، فالفقرة السابقة أجزم أن غالبكم يسمعها ويكررها بصيغ مشابهة كل عام، فالعيد الذي أود الحديث عنه هو عيد الأموال!! فغالبنا بل أكاد أجزم وأقول جميعنا يعطي الأطفال أموالاً في يوم العيد من باب إدخال السرور على قلوبهم وإسعادهم، وهذا عمل نبيل يقوم به كل صاحب راتب! المبالغ النقدية بالنسبة إلى الأطفال- خصوصاً من هم دون الثامنة- تعريفها كالآتي: "ورقة أستطيع من خلالها شراء ما أحب؛ لأنها تختلف عن الأوراق التي أرسم عليها!"، فالنقود بالنسبة إليهم أوراق توصلهم للسعادة، ونحن هنا دون أن نشعر نؤصل في نفوسهم حب هذه الأوراق، من خلال إيصال رسالة لهم مفادها: هذه الأوراق طريق السعادة!
قد يقول قارئ: وما الضير في هذا؟ هذه حقيقة. المال يحقق السعادة في أحيان كثيرة، نعم هذا صحيح، لكن نحن من نؤسس لثقافة السعادة! فما يضر الأب أو العم أو الخال وكل صاحب راتب أن يغير العيدية، والهدية بشكل عام، من النقود إلى أوراق أخرى، على سبيل المثال: كتاب، اشتراك في ناد صحي، اشتراك في معهد تطوير للذات أو للغة. الكتاب هو الغاية من وراء كتابة هذا المقال، وهناك بدائل أخرى للسعادة غير المال! فالرياضة، والعلم، وتطوير العقل، واتساع الأفق، وزيادة الثقافة، كلها من وسائل الوصول للسعادة.إذا رغبنا في رؤية مجتمع أفضل فعلينا أن نؤصل لثقافة القراءة، ولتغيير ثقافة الهدايا الثمينة جداً التي ترهق كاهل الأسر ومن ضمنها العيديات، إلى ثقافة أخرى أفضل وأجمل وهي ثقافة الهدية التي تناسب كل طفل من أطفال العائلة. اختيار الهدايا أمر صعب، فهل نستعيض عن صعوبة بسهولة إعطاء المال؟ ليتنا نغير من ثقافتنا في التهادي ونبدأ من هذا العيد، بإهداء أطفالنا أوراقا تنفعهم من خلال الكتب، ولا يمنع بتاتاً أن يكون داخل صفحات الكتاب مبلغ مالي، فالهدف ليس حرمان الطفل مما اعتاد عليه، إنما الهدف إيصال رسالة جديدة له أن هناك وسائل أخرى للسعادة.لا تفرض على طفلك أو صديقك الموضوعات التي تحبها، لكن حاول أن تستشف ماذا يحب أن يقرأ، ولا تضيق واسعاً في اختياراتك بناء على نصائح من وكالة "يقولون"، أو نصائح "سي سيد" الذي لم يقرأ يوماً كتاباً ينتقده، إنما يعتمد على من يثق بهم، ومن يثق بهم يعتمدون على من يثقون بهم، حتى نصل لآخر الموثوق بهم فنجده غير أهل للثقة! ستجد بعضنا يسخر ممن يقرأ الرواية، ويجد أن قراءة الرواية أمر سخيف ومضيعة للوقت، ومن يقول بهذا القول إما لم يقرأ رواية هادفة راقية من قبل، أو ممن يقلدون آخرين بدون تفكير، الرواية يا سادتي ليست غزلاً وحباً ينتهي بهروب الحبيبين، إذا كانت هذه الرواية فأين تذهب "النظرات" و"ماجدولين" للمنفلوطي و"الحرافيش" لنجيب محفوظ و"سمرقند" لأمين معلوف و"الحرب والسلام" لليو تولستوي و"مدن الملح" لعبدالرحمن منيف وأخيراً "عزازيل" ليوسف زيدان! الرواية هي حديقة القراءة، فبعد العمل الشاق في الكتب التخصصية والقراءة الجامدة، يحتاج القارئ لفترة راحة يكسر بها غلظة المؤلفين الباحثين المتخصصين وجديّتهم، فقراءة الرواية تنقلك بين المروج الخضراء؛ لتستنشق عبق الزهور، وتشاهد جمال الطبيعة الفكرية، الرواية هي مَصيف المثقفين ومكان راحتهم. لست أدعوكم لإهداء من تحبون الروايات، إنما أقول لكم: اتركوهم يقرؤون ما يريدون، لا ما تحبون أنتم، فلا يوجد كتاب لا يمكن الاستفادة منه.«شوارد»:تقول إليزابيث براوننغ: "الكتاب هو المعلم الذي يعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب، بلا خبز ولا ماء، إن دنوت منه لا تجده نائماً، وإن قصدته لا يختبئ منك، وإن أخطأت لا يوبخك، وإن أظهرت جهلك لا يسخر منك".