يعُد الفنان الكبير محيي الدين حسين أحد رواد الفن المصري المعاصر في مجال الخزف والنحت، وأدى  دوراً مهماً في نشر الوعي بمفهوم الخزف المعاصر من خلال تأسيس سمبوزيوم وبينالي القاهرة الدولي للخزف، ومثلت أعماله مصر في المحافل الدولية بأسلوبه المميز الذي جعل الخزف مضماراً محورياً في بنية الحركة الفنية التشكيلية، وحرص خلال مشواره الفني  على التطوير والاختزال في الشكل والتجريد في العناصر.

Ad

{الجريدة} التقته بعد رحلة طويلة مع الخزف امتدت قرابة 60 عاماً ليكشف أسرار عشقه لفن أسس  به موقعاً ريادياً متميزاً.

مع اقترابك من الثمانين، هل لك أن تعود إلى الوراء لتكشف لنا كيف تجلت بداية علاقتك بالفن التشكيلي؟

بدأت علاقتي بالفن التشكيلي مع مراحلي العمرية الأولى، فقد دخلت الروضة في مدرسة أميركية تهتم بالموسيقى والغناء والرسم واشتركت في الأنشطة الفنية فيها، وبطبيعة عمل والدي كمهندس ري كان ينتقل من مديرية إلى أخرى، فانتقلنا من بنها إلى القاهرة في مرحلة الثانوي ودخلت مدرسة الإبراهيمية، وكان النشاط الفني فيها مرتفعاً، ثم التحقت بكلية الفنون التطبيقية وأمضيت خمس سنوات في الجامعة تجلت أهميتها في الاحتكاك بالفن والأساتذة الذين يقدرّون الفن بصورة حقيقية.

 

درست النحت ثم غيرت مسارك لدراسة الخزف، فما الذي أغراك لدراسته؟

في البداية لم أكن أعرف الخزف، وفي مدرسة الإبراهيمية الثانوية مارست النحت والرسم، لعدم توافر أفران لحرق الخزف في المدارس، وفي تلك المرحلة نحتت تمثالاً طوله ثلاثة أمتار لسيدة تحمل كرونة ورد للشهداء، وكان الكفاح آنذاك ضد الاستعمار، وجهها مصري جميل لفتاة ممشوقة القوام ترتدي طرحة.

 بعد الانتهاء من دراستي الثانوية، لم يكن من مفر من دخولي الفنون، فالتحقت بمعهد الموسيقى إذ كنت أعزف على آلة الكمان منذ الطفولة، ولكن اتجاهي الأكبر كان للرسم والنحت، فاتجهت لدراسة الفنون التطبيقية، ولم أكن أعرف الخزف لأني كنت في ذلك الوقت أنحت تماثيل وأرسم لوحات، ونحتت تمثالين لوالديّ، وكانت لدي ورشة في المنزل أعمل فيها، فرسمت لوحات وبعتها خلال فترة الدراسة الثانوية وكان نشاطي يرتفع في الإجازات، وعندما التحقت بالفنون التطبيقية تحدد اتجاهي.

ماذا عن منحة التفرغ لمدة 7 سنوات التي حصلت عليها بعد التخرج وكونك أصغر فنان يحصل عليها في مصر؟

في عهد وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة وكانت مرحلة مزدهرة للثقافة، منحني الفنان حامد سعيد، أحد مؤسسي مشروع تفرغ الفنانين، منحة التفرغ بناء على أعمالي التي عرضتها في أحد المعارض ونالت إعجابه، وبالفعل كنت أصغر فنان متفرغ، فقدمت أبحاثاً عدة، وركزت أهتمامي على الخزف الإسلامي والتراث، وتطورت خلفية التراث في أعمالي سواء كانت مسطحات جدارية أو تماثيل نحتية وأواني بأشكال وأحجام متعددة خزفية.

والجداريات التي نحتّها بمؤسسة الأهرام؟

عملت لمدة عام مع المثّال فتحي محمود، أول فنان أقام مصنع خزف، ثم حصلت على منحة تفرغ استمرت سبع سنوات، إلى أن جاء وزير الثقافة في ذلك الوقت الدكتور سليمان حُزين وألغى منحة التفرغ للفنانين، فقصدت مع مجموعة من الفنانين الكاتب محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام في الستينيات، وطلبنا مساعدته لعدم إلغاء منحة التفرغ، فوعدنا بحل الموضوع، بعد ذلك اتصل بي وطلب مقابلتي، وابلغني أنه يعرف شغلي جيداً وقد اقتنى بعضه، وأضاف: «نحن نؤسس مبنى جديداً للأهرام ونريد منك جدارية»، لرغبته في أن يجعل الأهرام مؤسسة فنية وليست صحافية فحسب، فقدمت جداريات في مباني الأهرام المتعددة، وتوطدت علاقتي بهيكل، بعدما ترك «الأهرام» كتبت عن الفن التشكيلي في الصحيفة بعدما تم تعييني فيها، كنت أكتب مقالة أسبوعية في الأهرام الدولي حتى خرجت على المعاش.

 هل تنتمي إلى مدرسة فنية أو اتجاه تعبيري معين؟

ليس لي اتجاه فني، لا أؤمن بالتصنيفات الفنية لأنها تقيد حرية الفنان، أعمالي ليست متشابهة، فلست من الفنانين الذين يعملون على تيمة واحدة، كل عمل بالنسبة إلي جديد وفي النهاية يربطها خط واحد لكنه غير مقصود.

ما هي رؤيتك لفن الخزف بالمقارنة مع المجالات الأخرى؟

للأسف أراه فناً متأخراً ومهملاً، لأنه فن صعب في العمل، يتطلب توفير مكان وفرن، لدينا فنانون تخصصوا في الخزف ولكنهم تركوه واتجهوا لفن اللوحة، فمجال الخزف ضيق ومقتنو الخزف قلة بالمقارنة مع المجالات الأخرى، تتجلى الصعوبة أيضاً من ناحية النقل، لذا لا يمارس كثر هذا الفن، ولكني أصر على الاستمرار فيه.

 أديت دوراً مهماً كمؤسس لسمبوزيوم وبينالي القاهرة الدولي للخزف، ولكنهما توقفا رغم نجاحهما في البداية، فما السبب؟

قدمت لوزير الثقافة السابق فاروق حسني مشروعين لعمل سمبوزيوم وترينالي الخزف، فوافق ورصدت له موازنة ودعيت مجموعة من الأجانب، وخرج الترينالي بمستوى عالٍ، دعم الوزير المشروع وأعطاني صلاحيات وانقطعت صلته بالمشروع إلى أن دعيناه لافتتاح الحدث الذي كان مفاجأة للجميع، فنجحت التجربة وبناءً عليه قرر تحويله من ترينالي إلى بينالي، وقدمنا سبع دورات من البينالي، شارك فيها أكثر من 60 فنانا عالمياً، ورصدت له خمس جوائز، وكان في ذلك نهوض بفن الخزف الذي شهد إقبالا من غير المتخصصين، ومن بعض الفنانين الذين عزفوا عن متابعة مشوارهم في مضمار الخزف وعادوا لوصل ما انقطع بهمة ونشاط، فحدثت نهضة في حركة الخزف.

لكن البينالي توقف بعد الدورة السابعة لعدم وجود موازنة، وأظهرت التجربة أنه عندما كان ثمة مجال للعرض المحترم اتجه له الفنانون غير المتخصصين وعندما تلاشى هذا الاهتمام عزفوا عنه.

كيف ترصد الفرق بين معرضك الأول في أوائل الستينيات ومعرضك الأخير منذ عامين، وماذا عن الرحلة بينهما؟

أول معرض لي كان خلال العام الأخير في الدراسة بقاعة «أخناتون» وسط البلد، وبعد التخرج قدمت معرضا كل عام من أجل التجديد بمنحة التفرغ لمدة سبع سنوات، إذن المعارض كانت سنوية، آخر معرض بمركز الجزيرة للفنون عام 2013.

كانت مرحلة التفرغ بمثابة حقل تجارب وأبحاث، قدمت جداريات وتجارب للمسطح الجداري الخزفي، وفي سنة تالية عملت على البريق المعدني في ثلاثة نماذج من خلال الإناء والتمثال واللوحة، ثم النحت الخزفي. وبعد انتهاء منحة التفرغ تطورت تقنية الشغل، ولم أعد مشغولاً بأبحاث على موضوعات، ولكني تحررت أكثر وتبللورت خبرتي وظهرت في أعمالي الفنية، في النهاية أرى أنني سرت في رحلة تطورت بشكل ملموس وأعتز بها جداً.

عندما يتقدم العمر بالمبدع، هل يعتمد على تجربة وخبرات السنين أم يطور نفسه؟

تطوير التجربة لا ينقطع، كل عمل يمثل تجربة جديدة، أعمل حاليا في تجربة جديدة، فعندما يتوقف الفنان عن تطوير تجربته فيعني ذلك وفاته.