Ad

من المقاييس المحددة لدرجة تحضر الدول وتخلفها كم القوانين واللوائح والأنظمة التي تصدرها السلطة الحاكمة، فكلما ازداد عددها دل ذلك على ازدياد تخلفها، وكلما نقص عددها اعتماداً على قواعد الأخلاق والأعراف الدينية التي تحكمها دل ذلك على تحضرها.

وهنا يقف كتاب "تطبيق الشريعة بين الضبط الاجتماعي والضبط القانوني"، للدكتور يحيى رضا جاد، الصادر حديثا عن دار المعارف أمام هذه الفكرة شارحا بفيض مدى المطالبات بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكل من ينادي أيضاً بالقانون المدني الذي صاغه البشر، إلا أن الكاتب يؤكد أن تطبيق الشريعة في المجتمع يتطلب تطبيقا شاملا على المجتمع، لأنه مجموعة من القوانين الروحية والأخلاقية والسلوكية التي يلتزم بها الفرد تجاه مجتمعه منطلقا من ثوابته الدينية، وإذا جنح الفرد من هذه القيود فالقانون الوضعي هو من يضبط سلوكه تجاه المجتمع والآخرين.

ويتطرق الدكتور يحيى إلى شرح العلاقة بين القانون، والأخلاق الدينية، مؤكداً أن الأخلاق والقانون قواعد سلوك، لكن يفرق بينهما أن المجتمع يفرض جزءاً على مخالفة القانون في شكل عقوبة مادية، بينما يترك للأعراف الاجتماعية توقيع الجزاء الأدبي على مخالف القاعدة الأخلاقية، وتبقى دائماً الحدود بين القانون والأخلاق مرنة.

ولم يقف الكاتب في هذا الكتاب عند هذا البيان، لكنه أضاف بيانا آخر لا يقل أهمية هو أن الأمة هي الأصل في أن ينوط بها تطبيق الشريعة، وأن الدولة ما هي إلا إحدى مؤسسات الأمة، وأن الأمة الواعية لا تكتفي بمؤسسة الدولة، بل تقيم من المؤسسات الأخرى بقدر ما تسمح الظروف.

ويوضح المؤلف أن تطبيق الشريعة بمفهومها الواسع ليست مسؤولية الأفراد، بل مسؤولية الأمة لكن في إقامة الشعائر وغيرها يمكن أن يكون للسلطات أدوار مساعدة، أو وظائف مكملة أو مواقف مشجعة، لكن الخطاب بهذه الشعائر ليس خاصا بالسلطة، وليس متوقفا على تدابيرها ولا على تشجيعها، بل كثيراً ما وضعت بعض الدول المتسلطة المتوحشة عراقيل في سبيل أداء بعض هذه الشعائر.

ولكن مجتمعات هذه الدول قفزت على تلك العراقيل وتخطتها، سواء كانت أمة أو شعوب مسلمة، فهما وعملا، أو كانت قاصرة أو مقصرة في المبادرة إلى حفظ ورعاية وتعظيم الشعائر، وتوفير ما يخدمها واجب الأمة ووظيفتها من خلال مؤسساتها وتنظيماتها وأعمالها الأهلية.