تبقى استراتيجية باراك أوباما وأهدافه في مواجهة الفوضى المخيمة بسورية محيرة، من الخط الأحمر المبهم المعالم الذي حدده بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية إلى رده الغامض على دخول روسيا اللافت في المعارك.

Ad

ويندد منتقدو الرئيس الأميركي بافتقاره إلى الوضوح والرؤية حتى الجرأة. لكن قبل أقل من 500 يوم على انتهاء ولايته، لا ترد أي مؤشرات تفيد بأنه قد يبدل نهجه أو يذعن للضغوط ويقبل بوتيرة تحرك مختلفة.

ويشدد أوباما على أهمية الائتلاف، الذي شكلته الولايات المتحدة، ويبحث عن تحالفات إقليمية ويحذر بشكل متواصل من أي تدخل متهور، مسلحا بقناعته الراسخة بأن القوة العسكرية الأميركية غير قادرة وحدها على تسوية الأزمات العنيفة التي تهز العالم، خصوصا في الشرق الأوسط.

غير أن موقفه المتردد والمتقلب في صيف 2013 حول شن ضربات على نظام بشار الأسد إثر استخدامه أسلحة كيميائية ترك انطباعا بالتشوش. وجاءت تطورات الأيام الاخيرة حين بدا أن الهجمة الروسية الدبلوماسية والعسكرية في سورية باغتت البيت الأبيض لتسلط الضوء أكثر على تردد الرئيس الأميركي، الذي اختار لزوم الصمت.

وأوباما حريص على إبداء اختلاف تام عن نهج سلفه الجمهوري جورج بوش ونزعته الى التدخل في الخارج، لكن هل مضى ابعد مما ينبغي في الاتجاه المعاكس، وهل "أعلن تقاعد (الولايات المتحدة) في الشرق الأوسط"؟، بحسب تعبير السناتور الجمهوري جون ماكين.

وأعلن الرئيس الاميركي في 18 أغسطس 2011 بعد خمسة أشهر من القمع الدامي الذي مارسته دمشق ضد حركة احتجاجية غير مسبوقة، أنه "من أجل مصلحة الشعب السوري حان الوقت لتنحي الأسد". وبعد سنتين أعلن أنه على وشك ضرب أهداف تابعة له بعد هجوم كيميائي أوقع أكثر من 1400 قتيل وشكل انتهاكا لخط أحمر حددته واشنطن، لكنه فاجأ العالم بطرح هذا القرار للتصويت في الكونغرس، مستبعدا أي تحرك عسكري وشيك.

ولم يجر التصويت في نهاية المطاف، وتم التخلي عن خطة شن ضربات إثر اقتراح روسي بتدمير الاسلحة الكيميائية السورية.

وفي أغسطس 2013 صدر تصريح عن أوباما عزز الاحساس بارتباك ادارته، إذ اعلن متحدثا عن مكافحة تنظيم "داعش" في سورية خلال مؤتمر صحافي، أنه "ليس لدينا استراتيجية بعد". وعبثا حاول البيت الابيض في ما بعد تبرير هذا التصريح وشرح خلفيته، بقيت هذه الجملة ماثلة في الاذهان كاختصار للنهج الاميركي.

والتزم اوباما مرغما بتدريب المعارضة المعتدلة، غير ان العملية سجلت فشلا كبيرا. وقبل اسبوعين استمع اعضاء الكونغرس بذهول الى الجنرال لويد اوستن وهو يستعرض نتائج الخطة، إذ اعلن ان البرنامج الذي خصصت له اموال بمستوى 500 مليون دولار والذي كان يفترض ان يشمل حوالي خمسة آلاف مقاتل في السنة لم يسمح حتى الان سوى بتدريب بضع عشرات المقاتلين.

ولخص جون ماكين هذا الاسبوع رؤيته للموضوع، قائلا إن "هذه الادارة اثارت الحيرة بين اصدقائنا، وشجعت اعداءنا، وخلطت ما بين الاسراف في الاحتراس والحذر، واستبدلت المجازفة بالتحرك بمخاطر عدم التحرك".

من جهته، يؤكد البيت الابيض ان الضربات الجوية الروسية التي يندد بتناقضاتها وتعارضاتها، لن تحمله على "اعادة تقييم عامة" لاستراتيجيته في سورية.

ويشدد أوباما على انه من المستحيل فرض "حل عسكري" في سورية، مذكرا في نقد مبطن لخصومه الجمهوريين كما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن الاميركيين عجزوا عن ذلك في العراق قبل عقد كما عجزت عنه روسيا في افغانستان قبل ثلاثين عاما.

ويبقى ان الحذر المسرف الذي يبديه اوباما حيال ارسال قوات على الارض ينسجم، بحسب جوليان زيليزر، مع شعور عام منتشر في الولايات المتحدة.

(واشنطن- أ ف ب)